- الإعلانات -

- الإعلانات -

نيويورك تايمز: بعد 10 أعوام على الربيع العربي.. الطغاة أكثر قوة لكن الأمل بالتغيير لم يمت

لندن – “القدس العربي”: بعد عقد على الربيع العربي لا يزال المستبدون يحكمون الشرق الأوسط.
ولكن ثورات عام 2011 قدمت كما يقول ديفيد كيركباتريك وبن هبارد في صحيفة “نيويورك تايمز” مذاقا للديمقراطية التي لا تزال تثير شهية التغيير. وجاء في التقرير “قبل عقد، طالبت الجماهير الحاشدة في ميدان التحرير بتنحي رجل مصر القوي المدعوم من الولايات المتحدة، حسني مبارك، وفي واشنطن اتخذ الرئيس باراك أوباما قرارا مصيريا وطالبه بترك السلطة”. وكان رد الفعل السلبي من بقية الحكام العرب المتمسكين بالسلطة مباشرا، كما كتب أوباما في مذكراته الجديدة. وقال الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، البلد الصغير الذي يملك جيشا كبيرا سلحته ودربته الولايات المتحدة، للرئيس إنه لم يعد ينظر للولايات المتحدة كحليف يوثق به. وكتب أوباما “كانت تحذيرا” و”لم يكن لدى النظام القديم نية للتخلي عن السلطة دون قتال”.
وبعد عشرة أعوام ترك التصادم بين النظام القديم والانتفاضات الشعبية في معظم أنحاء الشرق الأوسط أنقاضا مشتعلة. فالحرب في اليمن وليبيا حولت البلدان إلى فسيفساء من الميليشيات المتنافسة. وتمسك الطغاة في مصر والبحرين وسوريا بالسلطة، وتخلصوا من أي إشارة للمعارضة. وتكافح تونس التي كانت النجاح الوحيد لكي تحصد ثمار الديمقراطية في وقت ترنح فيه اقتصادها.

الأمل الكبير الذي عبر عنه المثقفون أعطى الناس مذاقا حول إمكانية التغيير. والظلم والاضطهاد يعنيان أن الثورات لا تزال ممكنة، كما ثبت أخيرا في الجزائر ولبنان والعراق

 وتم سحق كل الآمال بعهد من الحرية والديمقراطية الذي انتشر في كل أنحاء المنطقة. وثبت أن الولايات المتحدة حليف لا يمكن الثقة به. ودخلت قوى جديدة لسحق الانتفاضات أو تحويلها لصالحها -إيران، روسيا، الإمارات وتركيا- وأصبحت أكثر تأثيرا. ويقول عمرو دراج الذي عمل وزيرا في الحكومة الديمقراطية بمصر والتي تم التخلص منها بانقلاب بعد أقل من عام في 2013 “يعرف الناس الآن ألا أحد سيساعدهم وعليهم مساعدة أنفسهم وأن الدول التي نظروا إليها لتساعدهم في التغيير هي جزء من المشكلة”. وأضاف أن “القوى العاملة ضد التغيير في منطقتنا متعددة ولديها الكثير من المصالح التي تسمح لها بالوحدة لمواجهة أي نوع من التغيير”.
لكن الأمل الكبير والذي عبر عنه المثقفون في واشنطن والمنطقة هو أن الربيع العربي أعطى الناس مذاقا حول إمكانية التغيير، وأن أسباب الثورات التي زادت سوءا مثل الظلم الاجتماعي والاضطهاد تعني أن الثورات لا تزال ممكنة، كما ثبت أخيرا في الجزائر ولبنان والعراق.
 ومع أن الثورات بدأت بحرق بائع فواكه نفسه في مدينة تونسية لشعوره بالإحباط والإهانة وأدى لرحيل أول ديكتاتور عربي إلا أن الشعور المدوخ بالقوة الشعبية لم يكن ليدوم. فبعد رحيل زين العابدين بن علي من تونس، تبعه ثلاثة رؤساء في اليمن ومصر وليبيا. ففي مصر جلبت الانتخابات محمد مرسي في انتخابات ديمقراطية حتى أطاح به الجيش. وفي ليبيا أطاحت قوة من الولايات المتحدة والناتو بمعمر القذافي إلا أن المعارضة ضده فشلت بالتوافق، وذلك بسبب القوى الإقليمية التي دعمت الأطراف المتنافسة ولا يزال البلد منقسما. وفي البحرين ساعدت السعودية بإخماد ثورة ضد الملكية. أما في اليمن فقد أجبر الحاكم القوي على مغادرة السلطة لكنه انضم إلى المتمردين الذين سيطروا على العاصمة مما أدى إلى حملة جوية بقيادة السعودية أدت إلى أكبر كارثة إنسانية في العالم.
وكانت سوريا السيناريو الأسوأ من ناحية تحول انتفاضة سلمية إلى حرب أهلية دمرت مدنا كاملة وفتحت الباب أمام تنظيم الدولة وغيره من الجماعات الجهادية. وأرسلت ملايين اللاجئين عبر الحدود وسمحت بتدخل عدة قوى خارجية. ولا يزال بشار الأسد في السلطة. وقال محمد صالح، الكاتب من حمص “منذ الربيع العربي أصبح كل شيء أسوأ” و”ما تغير هو زيادة عدد القوى الأجنبية التي تسيطر على سوريا. دمرت سوريا وأصبحت أكثر انقساما”.
ومن شاركوا في تلك الانتفاضات يتذكرونها بمزيج من المرارة والحنين ويتحدثون عن عدة أسباب أدت لفشلها: الدعم غير المتناسق من الغرب والتدخل من القوى الأخرى وعدم قدرة المحتجين على إدارة التحول للسياسة ومواجهة النخب المتخندقة وإصلاح الانقسامات داخل مجتمعاتهم. وقال بشار الطلحي الذي قدم دعما فنيا للثورة في ليبيا “لم نكن واضحين بما فيه الكفاية، ولم نكن نعرف ما هي السياسة أو الديمقراطية” و”اعتقدنا أن علينا التخلص من البعبع ولم نكن نعرف أنه نشر سحره علينا جميعا”.
وهناك الكثيرون ممن حملوا الولايات المتحدة المسؤولية لعدم فعل ما يجب فعله لدعم الانتفاضات. ففي مصر رفضت إدارة أوباما وصف سيطرة الجيش على السلطة في 2013 بالانقلاب مفضلة الحفاظ على علاقاتها مع الجيش المصري، حتى بعدما قتل مئات المحتجين المصريين. وفي ليبيا تلاشى الدعم الغربي بعد سقوط القذافي. أما في سوريا فقد حرفت الولايات المتحدة انتباهها من دعم المعارضة السورية إلى قتال تنظيم الدولة الإسلامية وسحبت معظم قواتها في ظل دونالد ترامب. وسارعت قوى أخرى لا اهتمام لديها بالديمقراطية لملء الفراغ. وساعدت السعودية والإمارات البحرين على سحق الثورة ضد الملكية هناك.

يقول المدافعون عن الديمقراطية إن الانتفاضات العربية لم تنته مما يعني أن الاحتجاجات قادمة

ونقلت الصحيفة عن عبد الخالق عبد الله قوله “لقد تطورنا منذ السبعينات من كوننا بطة صغيرة تحتاج لحماية وإذن من أمريكا”، زاعما أن هناك تحولا حازما وثقة فيما يتعلق بالمنطقة واستقلالية فيما يتعلق بأمريكا والقوى الأخرى. وقال مسؤولون أمريكيون سابقون تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم إنهم دهشوا عندما أغارت الإمارات على العاصمة الليبية طرابلس باستخدام الطائرات الأمريكية بشكل خرق شروط البيع وناقض السياسة الأمريكية. وعندما تمت مواجهة الإماراتيين عبروا عن غضبهم من أن الولايات المتحدة لا تدعم الطرف الذي يساعدونه. ورفض مجلس الأمن القومي التعليق. ولم تبلغ السعودية والإمارات معلومات عن الغارات التي شنت على اليمن في 2015، حيث تم إبلاغ إدارة باراك أوباما في وقت متأخر وقبل الموعد بفترة قصيرة، في وقت زادتا فيهما التأثير على ملك الأردن وحكومة السودان.
 وفي سوريا، نقلت إيران الميليشيات جوا لمساعدة نظام الأسد وأرسلت روسيا مقاتلاتها لقصف مناطق المعارضة. أما تركيا فحولت مساحات شاسعة من مناطق شمال البلاد إلى محمية فعلية. والمحادثات المهمة حول مستقبل سوريا تجري بين هذه الدول فيما يقف الغرب متفرجا ويحوم الدمار فوق سوريا.
ويقول المدافعون عن الديمقراطية إن الانتفاضات العربية لم تنته مما يعني أن الاحتجاجات قادمة. وتقول الحائزة على جائزة السلام توكل كرمان “أي شخص يقول إن الربيع العربي ميت لا يعرف تاريخ كفاح الشعوب” و”لم يمت حلم شعوبنا ولن يموت”. فسكان المنطقة هم من الشباب وفشلت أنظمتهم بتحقيق الأمن الاقتصادي لهم ويتذكر الكثيرون منهم وبحماسة الانتفاضات التي داسوا فيها على صور حكامهم.
واستطاعت حركات مشابهة للربيع العربي الإطاحة بحكام مستبدين في الجزائر والسودان، وهزت تظاهرات مشابهة الحكومات في العراق ولبنان، ولكنها فشلت في تغيير النظامين الطائفيين والسياسيين المعقدين في البلدين. وعلى المدى البعيد، فسيؤدي تزايد السكان الشباب وانخفاض أسعار النفط لقلة المال في خزائن دول الخليج بحيث لن تكون قادرة على التدخل في الشؤون الخارجية. كما أن جيل ثورات 2011 سينقل دروس الفشل إلى الناشطين الشباب.
ويتذكر طارق المنشاوي، 39 عاما، صاحب ورشة تصليح سيارات في القاهرة، كيف استطاع هو وعدد من المحتجين التغلب على صف من الشرطة أحاط بميدان التحرير ليصلوا إليه. وربما فشلت الثورة لكنها حققت أمرا قويا “لقد شاهد الجيل الجديد ما حدث.. مثل سمك القرش الذي اشتم رائحة الدم، وشممنا الرائحة مرة وسنظل نحاول”.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد