- الإعلانات -

- الإعلانات -

هل أثر تراجع التضخم في المقدرة الشرائية للتونسيين؟

تخالف البيانات الرسمية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس حول تراجع نسب التضخم واقع التونسيين في هوة كبيرة بين ما هو مجرد أرقام ومعطيات وما هو حقيقة تعرفها غالب أسواق البلاد.

وبينما تؤكد بيانات معهد الإحصاء تراجع نسبة التضخم في البلاد من 10.4 في المئة في فبراير (شباط) 2023 إلى 7.5 في المئة في فبراير 2024، فإن واقع التونسي مغاير تماماً بمعاناته مستويات مرتفعة لأثمان جل المواد التي صعدت بصورة ملحوظة، بخاصة في شهر رمضان، إذ صارت المعاناة مضاعفة بسبب غلاء الأسعار واختفاء المواد الأساس من الأسواق.

وتعترف نجاة الحدادي بأنها باتت تشتري الخضراوات والغلال بكميات محدودة للغاية إلى درجة أنها تقتني الغلال بحسب عدد أفراد أسرتها الصغيرة المكونة من زوج وطفلين. وتقر الموظفة في إحدى الشركات الخاصة لـ”اندبندنت عربية” أن كلفة المعيشة تعرف ارتفاعاً متواصلاً، وأنه لا صحة لما يتم تداوله في شأن تراجع مستوى التضخم في تونس، وترى أن الأسعار صارت مستعرة في البلاد مع حلول شهر رمضان، مدهوشة من بلوغ سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الضأن مستوى تاريخياً بلغ 50 ديناراً (16 دولاراً)، ولم يعد التونسي متوسط الدخل مثلها يجازف باقتناء كيلوغرام واحد من لحم الضأن.

تضيف “لست فقيرة، ودخلي الشهري رفقة زوجي جيد جداً، لكن الأجر الذي نتقاضاه لم يعد يسمح لنا بتغطية مصاريفنا اليومية جراء الأسعار الملتهبة والتضخم الأخذ في الزيادة”.

وتشكو تونس التي تضم 11.8 مليون نسمة صعوبات اقتصادية منذ سنوات من دون أن تغادرها على رغم محاولات من الحكومات المتعاقبة اتخاذ حزمة من الإجراءات ذات الطابع الاجتماعي، في خطوة لكبح جماح الأسعار لكن من دون جدوى في ظل نسب نمو ضعيف (0.4 في المئة)، ونسب تضخم لا تزال في مستويات عالية مقارنة بدول المنطقة، علاوة على أن القطاع الفلاحي عرف فترة جفاف قياسية استمرت خمس سنوات متتالية، أثرت بصورة لافتة في المنتج الفلاحي الذي تراجعت قيمته المضافة في اقتصاد البلاد بنسبة 11 في المئة العام الماضي.

غلاء قياسي

ولئن سجل التضخم في تونس تراجعاً للشهر الـ11 على التوالي خلال فبراير الماضي، وصولاً إلى مستوى 7.5 في المئة، لكن تحسن المؤشرات لا يترك أثراً في معيشة التونسيين الذين يواجهون غلاءً قياسياً هوى بقدراتهم الإنفاقية إلى أدنى مستوياتها.

وتكشف الأرقام الرسمية لمعهد الإحصاء الحكومي عن أن هبوط التضخم لم يقابله تحسن في مؤشر الأسعار عند الاستهلاك الذي يواصل منحاه التصاعدي، مخلفاً ضغوطاً معيشية على شريحة واسع من المواطنين.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية باحتساب الانزلاق السنوي، بنسبة 10.2 في المئة، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار القهوة بنسبة 35 في المئة، وأسعار لحم الضأن بنسبة 22.5 في المئة وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 21.8 في المئة، وأسعار التوابل بنسبة 18.5 في المئة وأسعار الخضر الطازجة بنسبة 15.2 في المئة، وأسعار لحم البقر بنسبة 12.2 في المئة وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 11.7 في المئة.

وأشار معهد الإحصاء إلى أن أسعار المواد المصنعة لشهر فبراير 2024، شهدت ارتفاعاً بنسبة 7.4 في المئة باحتساب الانزلاق السنوي، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار مواد البناء بنسبة 4.7 في المئة، وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 10 في المئة وأسعار مواد التنظيف بنسبة 9.7 في المئة. 

وفي الشهر الماضي، أعلنت تونس زيادة أسعار 280 صنفاً من الأدوية الأساس، بهدف تحسين مردود تصنيعها محلياً.

خلل في مؤشرات التضخم

ويقر المتخصص في الشأن الاقتصادي بـ “الجامعة التونسية” رضا الشكندالي بوجود تباين أو خلل بين مؤشرات التضخم المفصح عنها رسمياً والواقع المحسوس، مشيراً إلى أن كل المؤشرات تؤكد أن تونس دخلت في مرحلة ركود تضخمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد أن غالب المتخصصين في الاقتصاد يؤكدون وجود خلل في منظومة حساب مؤشر التضخم، ذلك أن كل نزول في النسبة يفترض أن يقابله تراجع في مؤشر الأسعار وزيادة في نسب النمو، بينما يحصل العكس بالنسبة لتونس.

ويضيف أن مؤشر التضخم يحيط به لبس ويطرح عديد من التساؤلات، مرجحاً أن تكون هناك نية رسمية نحو تأطيره بهدف حوكمة الزيادة في الأجور في ظل الطلبات النقابية المتصاعدة للترفيع في الأجور. ويعتبر المتحدث أن نسبة النمو المحققة لا تسمح بتحسين مستوى عيش المواطنين وزيادة قدرتهم على الإنفاق، ما يفاقم شعورهم بالتضخم والغلاء.

تواصل الضغوط التضخمية

من جهته، يرى رئيس منظمة “إرشاد المستهلك” لطفي الرياحي أن تواصل ارتفاع أسعار الغذاء والخدمات من أبرز أسباب عدم شعور المواطنين بتأثير تراجع التضخم على حياتهم اليومية، ويقول إن مجموعتي الغذاء والخدمات لم تسجلا تراجعاً على مستوى الأسعار على رغم أهميتهما في سلة الإنفاق، وهو ما يفسر تواصل الضغوط التضخمية على رغم تراجع النسب رسمياً. ويضيف أنه “في ظل تواصل النسق التصاعدي لأسعار الغذاء، لا بد من تحسين القدرة الشرائية للأسر عبر مصادر مالية بديلة، من بينها خفض سعر الفائدة الرئيسة (ثمانية في المئة حالياً) على القروض في خطوة لمساعدة الأسر المدينة للبنوك”.

وكشفت دراسة، نشرها أخيراً المعهد الوطني للإحصاء، الإحصاءات المتعلقة بالإجراء وغير الإجراء إلى جانب حركة الموظفين وتوزيعهم بحسب نوع الجنس وقطاع النشاط، ومتوسط الأجر الأساس للعمال وفق الفئات المهنية المختلفة.

ولاحظ المتخصص المالي بسام النيفر أن الدراسة “مهمة جداً” للاقتصاد لأنها تعطي مواطن الضعف والمشكلات الراهنة، معتبراً أن متوسط معدل الأجور في البلاد يبلغ 924 ديناراً (298 دولاراً) الذي كشفت عنه الدراسة يعد رقماً ضعيفاً في ظل كلفة المعيشة المرتفعة. وأضاف النيفر، “كان الأجر ضعيفاً في تونس منذ السبعينيات مع دعم من الدولة للأسعار والمواد الغذائية، غير أن المشكل الراهن هو ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة من دون أن يتبع ذلك ارتفاع في الأجور”، موضحاً أن تحسن أجور الوظيفة الحكومية لم يتبعه في المقابل القطاع الخاص.

وتابع “الأجر مناسب للمستثمرين التونسيين والأجانب، على رغم أن هناك كلفة خام بالنسبة لهم تفوق الأجر المقدم، ومع ذلك تعد الأجور في تونس من أكثر العوامل التي ما زالت فيها تنافسية مقارنة بالدول المجاورة”. وقال أيضاً “تراوح الأجور في القطاع المالي والتأمين ما بين 1112 ديناراً (358.7 دولار) و3258 ديناراً (1050.9 دولار)”، موضحاً أن الأجور في هذه القطاعات تكون مرتفعة ليس فقط في تونس، وإنما أيضاً في العالم، كما تتمتع هذه القطاعات باتفاقيات قطاعية تمنحهم عديداً من المزايا، ويكون مستوى التأجير عالياً باعتبار أنها خدمات مالية”.

وبينما تشير الدراسة إلى أن الأجر الأساس يتجاوز 1000 دينار (322.5 دولار)، بالنسبة لـ7.5 في المئة فقط من العمالة، والغالبية أقل من هذا الأجر، فإن النيفر يخلص إلى أن معدل الأجر يعد منخفضاً ويفسر الصعوبات التي يعيشها التونسي.

#هل #أثر #تراجع #التضخم #في #المقدرة #الشرائية #للتونسيين
تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد