- الإعلانات -

- الإعلانات -

هل كان الشعب يريد لقاء السيسي وقيس سعيد؟

منذ 58 دقيقة

حجم الخط

كم سؤالا وجه لقيس سعيد أو لعبد الفتاح السيسي في المؤتمر الصحافي الذي عقده الأخير عندما حل الرئيس التونسي ضيفا عليه؟ الجواب في خلو المؤتمر من الصحافيين هو لا سؤال. والسر أن الضيف والمضيف يشتركان على ما يبدو في خصلة وهي أنهما لا يتحمسان كثيرا لأسئلة الصحافة، بقدر ما يفضلان دائما أن يقفا أمام الكاميرات، لأداء مونولوج لا يحتمل التعقيب.لكن بماذا عاد سعيد من مصر؟ وما الذي يمكن أن يكون قد قدمه له مضيفوه؟ بالنسبة لبعض المواقع الإخبارية المصرية والإماراتية، فإن أهم شيء حققه من الزيارة هو أنه أصاب إخوان تونس بالرعب. وذلك بنظر البعض يكفي وحده ليكون إنجازا. فكما يقول تقرير نشرته «بوابة العين» الإماراتية، فإن هؤلاء الإخوان والمقصود بهم هنا هم أبناء حركة النهضة، باتوا مرعوبين لأن «التقارب بين الرئيسين السيسي وسعيد يشعرهم بدنو أجلهم كما حصل مع إخوان مصر».لكن مَن مِن الرجلين كان بحاجة حقا للآخر؟ هل احتاج سعيد لأن يشحن نفسه بشيء من حزم وبطش السيسي بخصومه؟ أم أن نظام الأخير كان بحاجة ملحة لأن يتخفف قليلا من أعباء سجله الحقوقي والإنساني القاتم، ولو بالاحتماء برمزية رئيس تونسي، لفت الأنظار إليه قبل أكثر من عام، حين تقدم لانتخابات الرئاسة؟ منذ أسابيع فقط تحدث نائب في البرلمان التونسي لإحدى الإذاعات المحلية عن الجنرال المصري بإعجاب بالغ، وقال إن تونس بحاجة لرجل مثل السيسي قادر على إعمارها. لكن كم يبدو مستحيلا أن يحصل العكس. ونسمع نائبا في البرلمان المصري الحالي يقول في إذاعة محلية مصرية، إن مصر بحاجة لرجل غير السيسي قادر على إنصاف شعبها. وعلى أي حال فإن صح الآن أن هناك «تقاربا وتطابقا واتفاقا تاما» بين تونس ومصر في عدد من القضايا، كما أكد ذلك الرئيس التونسي قيس سعيد السبت الماضي من داخل قصر الاتحادية بالقاهرة، فإن ذلك يعني أن جانبا من أمنية النائب التونسي قد يتحقق، وأنه لم تعد هناك فواصل أو حدود بين الثورة والثورة المضادة، لكن كيف يمكن أن يحصل ذلك؟ وهل أنه سيحسب لسعيد أنه كان المبادر بقطع أكبر خطوة رمزية في ذلك الاتجاه؟ أم أن الأمر سيسجل كعلامة ارتداد وانتكاس في سجله؟ ربما سيقول البعض محتدا: هل حلال عليكم حرام علينا نحن التونسيين أن نختار ونقرر ما نشاء؟ أليس من الوارد جدا أن تهبط طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مثلا في القريب في مطار القاهرة، ويتقابل الرئيس الذي يناصر قضايا المظلومين والمضطهدين في العالم، مع من ظل يوصف بزعيم الانقلاب المصري بعد قطيعة دامت سنوات؟ فلم الهجوم العنيف إذن على الرئيس التونسي وحده، وكأنه هو أول أو آخر من يقترف ما قد يعد جريرة أو كبيرة من الكبائر؟

كل من تابع مصير بن علي يعرف ألا مستقبل للاستبداد والمستبدين في تونس مهما حاول المنتخبون والمنقلبون معا فعله

قد يستخدم البعض مثل ذلك المنطق عند البحث عن مبرر مقبول أو مقنع أو عن تفسير موضوعي لزيارة الرئيس التونسي قيس سعيد الجمعة الماضي لمصر. ولكن حتى إن سلمنا بأن المصالح وحدها هي التي جعلت سعيد، أو انها هي التي قد تفرض مثلا على أردوغان أن يلتقي السيسي، فهل تجوز المقارنة هنا بين وضع الأتراك ووضع التونسيين، ومصالح كل واحد منهم مع مصر؟ إن المغالطة التي يقع فيها من يتخيل أن زيارة الرئيس التونسي للجنرال المصري كانت عادية وطبيعية، وجاءت فقط في سياق البحث عن المصلحة، ليست في أنه يقارن بين بلدين مختلفين تماما، وهما في هذه الحالة تونس وتركيا، بل في أنه لا يحدد لا شكل ولا نوع تلك المصلحة، التي ذهب سعيد للبحث عنها في القاهرة، لكن الواضح أنه وفي الظرف الاقتصادي والمالي الصعب الذي تمر به تونس الآن، فإن محددها الوحيد لن يكون إلا شيئا واحدا وهو فرص انتشال الاقتصاد التونسي من الانهيار المخيف. فهل أحسن التونسيون في تلك الحالة إذن اختيار العنوان المناسب؟ أم أنهم دقوا على الباب الخطأ؟يستطيع المحللون الاقتصاديون أن يتحدثوا بإسهاب عن حجم التعاملات الاقتصادية والتجارية بين تونس ومصر، وأن يحجبوا الحقائق، ويتلاعبوا بالأرقام كما يشاؤون، وأن يزيدوا فيبشروا بأن هناك آفاقا واعدة وفرصا ثمينة بانتظار تونس لإنعاش اقتصادها، بمداخيل خيالية من وراء معاملات مرتقبة مع السوق المصرية. ولكن النقطة الأهم التي لا يستطيع أحد من هؤلاء شرحها، أو تفسيرها هي كيف سيحصل ذلك، بدون تدخل فعلي ومباشر من الحكومة التونسية؟ إذ تكفي نظرة سريعة للوفد المرافق للرئيس التونسي لتدل على غياب ملحوظ لأي وزير أو مسؤول مالي أو اقتصادي رفيع المستوى، فهل كان متوقعا في تلك الحالة أن يستغل سعيد وجوده في مصر لتحقيق مصلحة اقتصادية لتونس؟ ربما فوجئ كل من تابع تفاصيل الزيارة، أنها عدا الجزء المتعلق باللقاء مع السيسي، كانت من خلال تنقلات الرئيس سعيد زيارة دعائية بامتياز للسياحة المصرية، أكثر من أي شيء آخر. وهذا جانب قد يشكره المصريون حتما له، لكن ما الذي استفاده التونسيون من وراء ذلك؟ هل حلت زيارته للمواقع الأثرية في القاهرة ولبعض الأسواق الشعبية، ولقبر جمال عبد الناصر، ولأماكن أخرى بعضا من مشاكلهم وأزماتهم؟ لقد كان اهتمام الرئيس التونسي منصبا على ما يبدو على قضايا وملفات لا صلة لها لا من قريب ولا من بعيد باقتصاد بلاده، لكن ماذا يمكن أن تكون تلك القضايا خارج التباحث حول مسائل إقليمية مثل سد النهضة وليبيا مثلا؟ الأمر الذي يتفق عليه كثيرون وباختصار شديد هو أن البحث عن تنفيذ انقلاب في تونس مشابه لانقلاب السيسي في مصر، كان الدافع الأكبر وراء الزيارة. لقد أراد سعيد ببساطة وبنظر هؤلاء أن يستفيد من خبرات السيسي في القضاء على الإسلاميين، أما كيف سيحصل ذلك فهذا ما يبقى مجهولا، لكن السؤال هنا هو هل كشف الرئيس التونسي بتلك الزيارة عن وجهه الحقيقي، وحرق آخر مراكبه مع الثورة، وأظهر لا للتونسيين فقط، بل للشعوب العربية أيضا، أن لا اختلاف عمليا بين رئيس عربي منتخب وآخر مغتصب؟ سواء حصل ذلك أم لا، فإن أخطر ما فعله هو أنه داس شعار حملته الانتخابية، أو التفسيرية كما يحلو له أن يسميها: «الشعب يريد». فهل كانت إرادة الشعب التونسي الذي ثار على الظلم هي التي قادته لأن يصطف مع من ظلم ويظلم شعبه؟ أم أن إرادة أخرى هي التي وجهته لذلك؟الثابت أن أهم استنتاج خرج به التونسيون هو أن الشعار الحقيقي لمرحلتهم سيكون «سعيد يريد». اما كيف سيتصرفون بعدها؟ فكل من تابع مصير بن علي يبقى متأكدا من شيء وهو أن لا مستقبل للاستبداد والمستبدين في تونس مهما حاول المنتخبون والمنقلبون معا فعله.كاتب وصحافي من تونس

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد