هل يؤثر جمهور كرة القدم على قرارات الحكام؟

كشفت دراسة جديدة أن لحشود مشجعي كرة القدم تأثيراً في سلوك الحكام في مباريات الدوريات الأربعة الأولى للمحترفين في إنكلترا. وأكدت الدراسة التي نشرت في مجلة Global Sport Management، يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنه من دون حشود الجماهير في الملاعب، في موسمي عامي 2020 و2021، بسبب جائحة كوفيد-19، لم يكن هناك عامل ضغط للتأثير في الحكام.

في الدراسة، ركز فريق من الباحثين في جامعتي بورتسموث ووولفرهامبتون على الإجابة عن سؤال: هل الجماهير قادرة على التلاعب بالجميع باستثناء سلوكيات الحكام؟ وأتاحت جائحة فيروس كورونا فرصة فريدة لتقييم تأثير الجماهير من عدمه نتيجة غيابهم عن الملاعب. وخلال بحثهم، قارن أعضاء الفريق تصرفات الحكام في المباريات التي أجريت في حضور الجمهور بالأخرى التي لم يحضرها مشجعون. 

قارن الباحثون عدد البطاقات الحمراء والصفراء التي أصدرها الحكام في موسم غياب الجماهير عن مباريات الدوريات الأربعة الرئيسية في إنكلترا، بالبطاقات الصادرة خلال مباريات الذهاب والإياب خلال المواسم التي حضرتها الجماهير في الفترة من 2010 وحتى 2019. 

كشفت النتائج أنه لم تكن هناك ميزة على أرض الملعب في البطاقات التي منحها الحكام في الأقسام الأربعة الأولى خلال موسم غياب الجمهور، لكن الحكام منحوا المزيد من البطاقات بشكل ملحوظ للاعبين غير أصحاب الأرض في المواسم العشرة السابقة في حضور جمهور كامل، حتى موسم 2019-2020.

المفارقة أنه مع عودة الجماهير إلى الملاعب، في المواسم التي أعقبت إنهاء الإغلاق، لوحظ أن حكام الدوري الإنكليزي الممتاز كانوا أقل عرضة لمثل هذه التأثيرات، مع تضييق نطاق إصدار البطاقات الصفراء للاعبين، سواء كانوا يلعبون على أرضهم أو خارجها، ما يشير إلى أن إعدادهم وإدارتهم وتدريبهم الأخير قد منحتهم نوعاً من المناعة ضد الانسياق خلف رغبات الجماهير.

خلصت النتائج التي توصل إليها فريق البحث إلى أن الجماهير المحلية قادرة في الواقع على التأثير في الجميع، باستثناء سلوكيات “الحكام الأفضل” الذين تلقوا تدريباً سلوكياً على كيفية تجنب مثل هذا النوع من التأثير الجماهيري.

وهذا فعلاً ما لاحظناه في المباراة التي جمعت منتخبي فرنسا وتونس في بطولة كأس العالم لكرة القدم المُقامة في قطر حالياً. سجّل اللاعب الفرنسي، أنطوان غريزمان، في الثواني الأخيرة، هدف التعادل لمنتخب بلاده. لكن الحكم عاد إلى تقنية VAR، وألغى الهدف بداعي التسلل، رغم الضغط الجماهيري الكبير عليه، إلى جانب ضغط المدرب الفرنسي وغضبه. لكن الحكم لم يحتسب الهدف، حتى إن الاتحاد الفرنسي لكرة القدم طالب بفتح تحقيق في الأمر، من دون جدوى، لتخرج الديوك من المباراة خاسرة بهدف للاشيء. 

وقال المؤلف المشارك في الدراسة، توماس ويب، كبير المحاضرين في إدارة الرياضة، وقائد دورة ماجستير إدارة الرياضة في كلية الرياضة والصحة والتمارين الرياضية في جامعة بورتسموث: “تقدم نتائجنا دليلاً قوياً على أن الجماهير المحلية يمكنها التأثير بجميع الحكام، باستثناء أفضلهم تدريباً وإعداداً”. 

وأضاف ويب، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنّ من المثير للاهتمام أنّ حكام الدوري الإنكليزي الممتاز، يبدون أقل حساسية من الحكام الأقل خبرة في الأقسام الدنيا من الدوري، وأنّ هناك مجموعة متنوعة من الأسباب وراء ذلك. على سبيل المثال، قُدِّم علماء النفس في الدوري الإنكليزي الممتاز للعمل مع الحكام، وقُدِّمَت الابتكارات التكنولوجية، مثل تقنية خط المرمى، وتقنية الحكم المساعد بالفيديو (VAR)، لمساعدة الحكام في أدائهم.

ووفقاً للمؤلف، فإن نمو الدوري الإنكليزي الممتاز، أدى إلى زيادة الاستثمار في الحكام المحترفين، واحتمال ظهور فجوة أوسع بين هؤلاء الحكام الأعلى تدريباً والحكام العاملين في الدوريات المحلية.

تقدم الدراسة أدلة دامغة على أن الجماهير قادرة على التلاعب بالحكام المحترفين، لمنح المزيد من البطاقات الحمراء والصفراء للاعبين الضيوف (على غير أرضهم)، مقارنة باللاعبين على أرضهم، وهو تأثير يختفي عند غياب الجماهير. ومن شأن هذه النتائج التأثير بتدريب الحكام وتطويرهم في مستويات مختلفة من كرة القدم، وتزويد معلمي الحكام بالمعلومات لتركيز مبادرات التدريب المستقبلية التي تهدف إلى التقليل من أهمية ميزة “صاحب الأرض” بشكل أكبر في جميع البطولات الاحترافية في إنكلترا.