هل يستحق عبث كأس أمم أفريقيا فعلاً الاحترام والتقدير؟ | القدس العربي

لندن ـ «القدس العربي»: يضرب جمهور كرة القدم في القارة السمراء وعشاق الماما أفريكا في كل بقاع الأرض، أخماسا في أسداس، لفهم ما يحدث في كأس الأمم الأفريقية، التي أصرت الكاميرون على تنظيمها في موعدها، مكايدة في رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جاني إنفانتينو ورجاله المخلصين في القارة المهندس هاني أبو ريدة والقيدوم فوزي لقجع، في حملة قادها مشاهير أفريقيا، على رأسهم رمز البلد المنظم روجيه ميلا، الذي احتد على مصر والمغرب بطريقة أقل ما يُقال عنها «مهينة»، وصلت لحد مطالبتهما بالخجل والاعتذار، أو الذهاب للعب في أوروبا، فكانت النتيجة الفضائح المدوية، التي صدمت الرأي العام العالمي قبل انتهاء الجولة الأولى لمرحلة المجموعات.

أها يا ماما أفريكا

بهذه العبارة العفوية، لخص المعلق الشهير عصام الشوالي، وضع بطولة أفريقيا المأساوي، في وصفه للجريمة التحكيمية التي ارتكبها الزامبي جاني سيكازوي، في مباراة مالي ضد تونس في افتتاح مواجهات المجموعة السادسة، حين قرر فجأة وبدون سابق إنذار إطلاق صافرة نهاية المباراة عند الدقيقة 85، الأمر الذي تسبب في خروج المدرب منذر الكبير وجهازه التقني عن شعورهم، كحدث غريب وفريد من نوعه، أن تنتهي مباراة قبل وقتها الأصلي، إلا لكارثة طبيعية أو لتهديد أمني، ومع ذلك، كان محظوظا بتدخل حكام الفيديو (الفار) في الوقت المناسب. هنا اعتقد الجميع أن الإشكالية النادرة قد انتهت، إلا أن الحكم، كان مصرا على تحويل نفسه إلى أضحوكة للعالم، بتكرار نفس الخطأ، لكن هذه المرة قبل ثوان من الوقت الأصلي، الفارق أنه لم يتراجع عن قراره، حتى بعد اعتراض نسور قرطاج على الفضيحة المدوية، وسط ذهول الملايين في العالم الافتراضي وعلى المقاهي في صقيع الشتاء في المنطقة العربية، واكتملت السخرية على طريقة «شر البلية ما يضحك»، بقيام الحكام باستدعاء كلا المنتخبين مرة أخرى إلى أرضية الملعب، لاستكمال الدقيقة المتبقية من عمر الوقت الأصلي، بالإضافة إلى دقيقتين كوقت محتسب بدل من الضائع، وحدث ذلك بعد احتفال لاعبي مالي مع جمهورهم، ومرور أكثر من 35 دقيقة على الكارثة، وكان منطقيا أن يرفض منذر الكبير ورجاله العودة للمشاركة في هذه المهزلة، بعد مشاهدة الحكم الرابع ينوب عن سيكازوي وبجانبه المساعدون ولاعبو مالي، وبالنظر إلى موقف تونس بعيدا عن الانحياز للعروبة، سنجد من الصعب انتقادهم، بل العكس.

تاريخ ملوث

دعك عزيزي القارئ من قصة خروج اللاعبين من المباراة ذهنيا وحصولهم على حمام ثلج للاستشفاء قبل تدريبات المساء، لكن الواقع يقول إن الحكم بدا وكأنه متربصا بالمنتخب التونسي، والدليل على ذلك، أنه حطم معنوياتهم بإنهاء المباراة قبل وقتها وحرمانهم من 5 دقائق على أقل تقدير كوقت محتسب بدل من الضائع، وهم بـ11 لاعبا أمام 10 لاعبين من مالي، بعد طرد البديل بلال تراوري في تدخل خشن. ولو دققنا النظر، سنتذكر ضعفه الشديد في إدارة المباراة تحكيميا، حين بدا وكأنه في حالة إعياء، أو بمقولة عادل إمام «شاهد ما شفش حاجة»، في ركلة جزاء وهبي الخزري، حيث يكفي أنه كان على بعد أمتار تعد على أصابع اليد الواحدة، ولم يتخذ القرار إلا بعد عودته إلى الفيديو وتشاوره مع حكام الغرفة المغلقة، دليلا على أنه لا يتابع التطور المستمر لتقليل الاعتماد على تقنية الفيديو، إلا للضرورة، حفاظا على نسق المباراة، وبالتبعية لم تنته فرصه في الظهور في كأس العالم 2022 فحسب، بل في هكذا محافل دولية، إلا إذا صدقت التقارير التي تزعم أنه صديق مقرب لرئيس الكاف السابق أحمد أحمد، كونه ما زال معتمدا ضمن الصفوة، رغم فضائحه التحكيمية التي يصعب حصرها في تقرير واحد، لعل أبرزها ما تُعرف «فضيحة رادس»، حين كان يقود حكام الفيديو (الفار) في نهائي دوري أبطال أفريقيا بين الترجي التونسي والوداد المغربي. وآنذاك قام حكم الساحة بكاري جاساما بإلغاء الهدف بناء على إشارة من مساعد الخط، ليطالب الفريق المغربي باللجوء لتقنية «الفار»، فجاءت الصاعقة بأنها لا تعمل، رغم وجود الحكم سيكازوي على رأس حكام تقنية الفيديو.
وسبقها بثلاث سنوات في نهائي كأس العالم للأندية 2016 بين ريال مدريد وكاشيما الياباني، حين تراجع عن إشهار بطاقة صفراء ثانية مستحقة لقائد الميرينغي السابق سيرخيو راموس، رغم أنه شوهد وهو يستعد لاستخراج البطاقة الصفراء، ليخدم مصالح الريال بإبقائه بـ11 لاعبا في الأشواط الإضافية. حتى الجمهور الجزائري، لا ينسى ما فعله في مباراة بوركينا فاسو في تصفيات كأس العالم 2014، بمنح الخيول ركلة جزاء من السماء، بحجة وجود لمسة يد على سعيد بلكلام داخل منطقة الجزاء، رغم أن كل زوايا الإعادة أظهرت أن الكرة كانت في صدره، ليخسر الخضر بنتيجة 3-2، وغيرها من القرارات المشبوهة، التي كانت كفيلة بشطبه من القائمة الدولية منذ سنين، لكن حفاظه على ثقة لجنة الحكام وأصحاب القرار في الكاف حتى وقتنا هذا، يفتح المجال للقيل والقال حول ما يدور وراء الكواليس في المؤسسة المنطوية على نفسها، وفي نفس الوقت، يخدم مصالح الأندية الأوروبية والفيفا ومن يعرفون بـ«أصحاب المؤامرة» على الكرة الأفريقية، وفي رواية أخرى أعداء أفريقيا، المطلوب منهم إظهار كل الاحترام لعادات وتقاليد الأميرة السمراء، حتى بعدما صدقت التوقعات حول عدم قدرة الكاميرون على استضافة البطولة في الوقت الراهن.

مهازل بالجملة

على النقيض من «النعرة الكاذبة»، التي تجلت في هجوم ميلا على الفراعنة وأسود أطلس من جانب، وفي رسائل مواطنه إيتو النارية للفيفا والأندية الأوروبية المعترضة على إقامة كأس الأمم في هذا التوقيت من جانب آخر، بالكاد لم يظهر رئيس المنظومة الكروية الكاميرونية سوى مرة واحدة، وكانت للاعتذار على أولى الحوادث الدموية في البطولة، بتعرض ثلاثة من الصحافيين المرافقين لبعثة المنتخب الجزائري، لعملية سطو مسلح وسرقة بالإكراه، انتهت بسلب كل ممتلكاتهم شاملة جوازات السفر والهواتف وأجهزة الكومبيوتر. وأسوأ من هذا وذاك، الجروح التي تعرض لها اثنان من الثلاثة، في ما كانت أشبه بالبداية لسلسلة الحالات والأخطاء التحكيمية والفنية، التي كانت بالصدفة في عصور ما قبل الحداثة وثورة التكنولوجيا، فما بالك ونحن في مطلع العام 2022، وهناك في الكاميرون، تقام مباراة بين قطبين بحجم سلطان القارة المنتخب المصري ومنافسه صاحب الباع الكبير النيجيري، بكرات غير صالحة، كما شاهدنا الحكم بكاري جاساما يطلب تغيير الكرة 3 مرات في المباراة، في مشهد يصعب حدوثه على المستوى الدولي، وربما على مستوى دوريات الهواة في أي مكان في العالم. وهي نفس المباراة، التي شهدت واقعة تغاضي الحكم عن احتساب ركلة جزاء صحيحة بنسبة تزيد على 90%، بعد إعاقة أحمد سيد زيزو داخل مربع العمليات، وحدث ذلك في وجود تقنية الفيديو. هل توقفت المهازل عند هذا الحد؟ في اليوم الرابع للبطولة، وتحديدا بعد ساعة من فضيحة مباراة تونس ومالي التحكيمية، وُضع لاعبو المنتخب الموريتاني وجمهورهم في موقف لا يحسدون عليه، بعد هفوة اللجنة المنظمة بعزف النشيد الوطني القديم، وما زاد الطين بلة، أن العازفين فشلوا في المحاولة الثانية، ليضطر الفريق الموريتاني لترديد كلمات النشيد الوطني الجديد، في ما كان طاقم العازفين يسير في عالم مواز مختلف، في مشهد فوضوي نادر، اكتمل بمأساة، بتداول أنباء عن مقتل جندي على مسافة قريبة من معسكر المنتخب التونسي، ليضطر رفاق علي معلول لإلغاء المران الأربعاء المسائي، خوفا من أعمال إرهابية محتملة، وغيرها من المهازل التنظيمية، التي لا تعكس سوى حقيقة يصعب الجدل عليها، وهي أن «الكاميرون لم تكن مستعدة بنسبة 100% لاستقبال هذا الحدث في الوقت الحالي»، وكان من الأفضل تأجيل البطولة لفصل الصيف أو إسنادها إلى مصر، كما حدث في صيف 2019.

مشاهدة مملة

لو عدنا بالذاكرة الى نوفمبر / تشرين الثاني الماضي والفترة التي سبقت فوز إيتو بمقعد الرجل الأول في الاتحاد الكاميروني لكرة القدم، كان الحديث السائد، أن الفيفا في طريقه للتأثير على الكاف، حتى أن هناك تسريبات، تحدثت أن قرار التأجيل كان يطبخ على نار هادئة، لعدة أسباب، منها على سبيل المثال، الوضع الصحي المعقد مع تفشي متحور كورونا الجديد أومكيرون بطريقة فاقت التوقعات في الآونة الأخيرة، وما يتداول عن عدم استعداد الكاميرون لتنظيم البطولة، بناء على مصادر حذرت مسبقا من عواقب الإصرار على تنظيم البطولة في الكاميرون في هذا التوقيت، وهو ما بدأ يتكشف من خلال التنظيم المتواضع للبطولة الأهم على مستوى القارة، والدليل على ذلك، اتفاق الأغلبية في الشارع العربي، أن كأس العرب قطر 2021، كانت أفضل من حيث المشاهدة والمستوى، نظرا الى الفارق المهول في البنية التحتية بين الملاعب القطرية الناعمة وبين الملاعب الكاميرونية الصلبة كالحديد، وكانت سببا في تعرض مدافع الأهلي ومنتخب مصر أكرم توفيق لإصابته المروعة بقطع في الرباط الصليبي، فضلا عن الحضور الجماهيري والأجواء الاحتفالية، التي انعكست بشكل إيجابي على مستوى اللاعبين داخل أرض الملعب، ولهذا كانت البطولة العربية عامرة بالمباريات المثيرة منذ مرحلة المجموعات وحتى النهائي الدرامي بين الجزائر وتونس، بينما جُل مباريات كأس الامم الافريقية حتى وقت كتابة هذه الكلمات، فتندرج تحت مسمى «مباريات مملة»، إما لسوء حالة أراضي الملاعب، أو لعدم تأقلم القادمين من أوروبا مع الطقس الحار في الكاميرون، على عكس الأجواء الباردة مع أنديتهم الأوروبية، أو ربما تكون مجرد مباريات جس نبض، وبعد ذلك سيرتفع النسق مع بدء مرحلة «أكون أو لا أكون»، لضمان مقعد في دور الـ16 وما بعد ذلك.

بداية غير مطمئنة

باستثناء ما فعله المنتخب المغربي، بخطف النقاط الثلاث من أنياب نجوم غانا السوداء في قمة مواجهات المجموعة الثالثة، بفضل هدف سفيان بوفال قبل نهاية الوقت الأصلي بثماني دقائق فقط، جاءت نتائج باقي المنتخبات العربية، على عكس أغلب التوقعات في الجولة الأولى، خاصة المنتخبات المرشحة للذهاب بعيدا في البطولة، على رأسهم حامل اللقب المنتخب الجزائري، الذي ورط نفسه في تعادل سلبي مع سيراليون، على إثره اختلطت أوراق جمال بلماضي ورجاله في لعبة البحث عن صدارة المجموعة الخامسة، لتجنب الاصطدام بالمنتخب الأكثر تنظيما حتى الآن النيجيري، الذي يسير بخطى ثابتة نحو تصدر مجموعته الرابعة، وهذا يحتاج الفوز على غينيا الاستوائية في مواجهة اليوم، ثم إسقاط كوت ديفوار في اللقاء الختامي، بعد أن كان الهدف الرئيسي، هو جمع العلامة الكاملة قبل مقارعة الأفيال في قمة تحديد هوية المتصدر. ونفس الأمر ينطبق على المنتخب المصري، الذي خيب آمال الملايين، بظهوره بنسخة باهتة، أعادت إلى الأذهان الصورة التي كان عليها المنتخب في فترة ما قبل الأسطورة حسن شحاتة، عندما كان يواجه نيجيريا وجبابرة الساحل الغربي، بأداء دفاعي مبالغ فيه، خوفا من الخسارة بنتيجة ثقيلة. وجزء كبير من الأداء الباهت، يتحمله المدرب البرتغالي كارلوس كيروش، الذي تعامل مع المباراة وكأنها واحدة من حقل تجارب الفراعنة في كأس العرب، مستخدما نفس أسلوب المغامرة بلاعبين في مراكز جديدة، كما تفنن في توظيف محمد صلاح في مركز المهاجم رقم 9، ومحمود حسن تريزيغيه في مركز الجناح الأيمن، علما أنه عائد لتوه من إصابة بقطع في الرباط الصليبي، تسببت في ابتعاده عن الملاعب أكثر من ثمانية شهور. وفي المقابل ترك من هم أكثر منه جاهزية على الدكة، مثل أحمد سيد زيزو، وهذا وضح بعد مشاركة الأخير في الشوط الثاني، وغيرها من الأخطاء الفنية التي وقع فيها مساعد السير أليكس فيرغسون السابق، أدت في النهاية لظهور البطل المرشح دائما بهذا المستوى الذي لا يتماشى مع طموحات الشعب المصري. ونفس الأمر ينطبق على المنتخب التونسي، بعد اعتماد هزيمته بشكل رسمي أمام مالي، فيما ستبقى الحظوظ مفتوحة على مصراعيها بين السودان ومصر في دربي الأربعاء، الذي سيحدد ملامح مرافق النسور النيجيرية إلى الدور المقبل، وكذا سيخوض الإخوة الجريحين تونس وموريتانيا، مباراة تحت شعار «لا بديل عن النقاط الثلاث» مساء اليوم الأحد، بعد خسارة منتخب المرابطين أمام غامبيا بنفس نتيجة نسور قرطاج أمام مالي، والسؤال الآن: هل ستتحسن النتائج وتتفادى المنتخبات العربية مأزق الخروج المبكر أو الدخول في حسبة برما بحثا عن مكان ضمن أصحاب أفضل مركز ثالث؟ هذا ما سنعرفه في نهاية الأسبوع.

#هل #يستحق #عبث #كأس #أمم #أفريقيا #فعلا #الاحترام #والتقدير #القدس #العربي

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد