هل يشكل الحراك الخارجي بداية الصحوة لدبلوماسية تونس | صغير الحيدري

تونس- أوحت التحركات الخارجية الأخيرة التي أجراها كبار المسؤولين التونسيين وفي مقدمتهم الرئيس قيس سعيد ووزير الخارجية عثمان الجرندي بأن ملامح صحوة للدبلوماسية التونسية بدأت تتشكل لاسيما في ظل المتغيرات والتطورات المتلاحقة والمتسارعة التي تحيط بالبلاد.
وعلى الرغم من تأخر إعادة إحياء العلاقات مع البلدان العربية الوازنة في ظل تطورات الأزمة الليبية على ضوء تفاهمات جنيف التي أفرزت سلطة انتقالية جديدة، وليس انتهاء بالتوترات التي تشهدها المنطقة برمتها وخاصة ما تعيشه مصر من صراع مائي مع إثيوبيا وأيضا التهديدات الأمنية، لكن من الواضح أن تونس تدرك جيدا أنه لا مناص من تعزيز التقارب في هذا التوقيت.
فهل تشكل زيارة قيس سعيد إلى القاهرة منعطفا جديدا في الدبلوماسية التونسية التي انطفأت جذوتها لعدة أشهر بعد أن كانت متقدة في عهد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وبفضل استقرار السياسة الخارجية آنذاك مع وزير الخارجية الأسبق خميس الجهيناوي.
هشام الحاجي: من الضروري أن تدعم تونس مصر في مواجهتها مع إثيوبيا
منعطف مفصلي عربيا
أنهي قيس سعيد الأحد زيارة إلى مصر امتدت لثلاثة أيام حظيت باهتمام لافت من القاهرة كما كان متوقعا خاصة وأنها الأولى للرئيس التونسي حيث كانت فرصة لفتح العديد من الملفات المتعلقة بقضايا إقليمية على غرار الأزمة الليبية التي تشهد انفراجة منذ أسابيع، إضافة إلى أزمة سد النهضة الإثيوبي وغيرهما من القضايا التي تؤرق كلا البلدين.
ويبذل الرئيس سعيد مساعٍ لموازنة علاقات تونس ببقية الدول من أجل إبعادها عن لعبة المحاور التي تدفع أطراف داخلية نحو الدخول فيها، فيما تراهن مصر على هذه الزيارة لحشد دعم تونس، التي تعد البلد العربي الوحيد الممثل في مجلس الأمن الدولي في الوقت الراهن، لموقف القاهرة بشأن أزمة سد النهضة.
ورأى المحلل السياسي هشام الحاجي في تصريحات لـ”العرب” أن “هذه الزيارة تندرج ضمن مهام رئيس الجمهورية ومشمولاته، وأيضا الحرص على الاهتمام بالبعد العربي ومصر لاعب مهم على المستويين العربي والأفريقي”.
وأوضح أن “هذه الزيارة أزعجت بعض الأحزاب السياسية التونسية خاصة حركة النهضة، وأعتقد أنها تندرج ضمن تقاليد العلاقات التونسية – المصرية وهي علاقات مستقرة”.
وشدد الحاجي على أن “هذه الزيارة أثير خلالها دعم تونس لمصر في معركتها مع إثيوبيا وهذا مهم، ومن الضروري أن تدعم تونس القاهرة في مواجهتها مع أديس أبابا. ومن ناحية أخرى من الصعب أن تعود هذه الزيارة بفوائد على تونس من الجانب الاستثماري لأن مصر تبحث بدورها عن جلب الاستثمارات إليها”.
وبالفعل أعلن الرئيس التونسي خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي السبت الماضي عن دعمه للموقف المصري قائلا ” إن الأمن القومي لمصر هو أمن تونس، وموقف مصر في أيّ محفل دولي سيكون موقفنا”.
كسر مرحلة العزلة
إحياء دور تونس لا يقتصر على محيطيها العربي والأفريقي بل بتكريس المزيد من الانفتاح على بقية القوى العالمية
بالرغم من أن التحديات التي تعرفها المنطقة ستطغى حتما على جولات الرئيس التونسي الخارجية إلا أن مراقبين يشددون على أهمية تلك التحركات التي قد تُخرج تونس من عزلة فرضتها على نفسها خلال المرحلة الماضية التي اتسمت بغيابها عن محيطيها العربي والأفريقي تحت وطأة التجاذبات السياسية في البلاد وتذبذب التسميات والتعيينات على المستوى الدبلوماسي.
واعتبر وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس أن اللقاءات التي تعقدها بلاده في هذا الظرف “على مستوى القمة مهمة جدا” لإحياء الدبلوماسية التونسية لاسيما في ظل وجود التزامات لتونس في المنطقة على غرار القضية الليبية.
وقال ونيس في تصريح لـ”العرب” إن “تونس عليها أن ترعى المسؤولية الإقليمية المنوطة بعهدتها. وبما أننا جيران لليبيا، وجب علينا أن نتخذ الآن اتجاها جديدا وبناء للخروج من الأزمة بحيث أن هناك نظاما سياسيا جديدا بصدد التشكل في ليبيا وعلينا رعايته وحمايته، يجب أن تراجع تونس أولويات المنطقة وتبقي على السيادة الليبية”.
وتابع ونيس “ثم هناك تقلبات في المنطقة حيث لم نحسم بعد معركتنا ضد الإرهاب، فمسألة الأمن الإقليمي مهمة جدا لتونس.. أيضا تونس تجد نفسها اليوم أمام حتمية التعامل مع الاضطرابات التي يعرفها العمق العربي في ظل مواجهة تداعيات فترة حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب”.
وفي خضم كل ذلك، تسعى تونس إلى معاضدة الجهود الرامية لإحياء مشروع اتحاد المغرب العربي وذلك بعد أن برزت العديد من المؤشرات من الدول المعنية به لدفع هذا الملف إلى تصدر سلم أولويات قيادات المنطقة.
ويقول ونيس إن “أقدم رؤساء المنطقة المغاربية يبقى العاهل المغربي الملك محمد السادس لذلك أتمنى أن يقوم قيس سعيد بالواجب تجاه الرباط ونواكشوط أيضا في سبيل الإسراع بإحياء هذا المشروع”.
أحمد ونيس: عقد لقاءات مع قادة الدول مهم لإحياء الدبلوماسية التونسية
وأضاف ونيس “قضية المغرب الكبير قضية مهمة لتونس، وأعتقد أن لتونس موقفا أهم بكثير من قضايا بقية دوله، الانطلاق في إعادة تأسيس المغرب الكبير يعود إلى تونس أكثر منها لبقية الأعضاء للعديد من الاعتبارات في مقدمتها الأزمات بين بعض دوله”.
واستدرك “لكن هذا لا ينفي أننا متأخرون في هذا الملف، لو زار الرئيس سعيد موريتانيا والمملكة المغربية لتقدمنا خطوة مهمة في هذا الصدد، لكن مشروع المغرب الكبير يبقى ملحّا في كل زمان بمعنى أن الوقت لم يفت بعد، ما علينا فعله الآن هو المزيد من التنسيق لتوجيه المبادرة لبقية أعضاء المغرب الكبير”.
انفتاح أكبر على العالم
لا تقتصر التحديات التي تواجه تونس من أجل إحياء دورها الدبلوماسي بما يسهم في حلحلة أزمتها الاقتصادية المتفاقمة في تونس على محيطها العربي والأفريقي حيث تتزايد المطالبات لتونس بتكريس مزيد من الانفتاح على بقية القوى العالمية على غرار الصين.
ومنذ 2014 عندما اعتلى الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي سدة الحكم حاولت تونس تعديل بوصلتها الخارجية على مزيد توسيع حلفائها بالابتعاد عن فلك لعبة المحاور التي ما انفكت أطراف تونسية على غرار حركة النهضة الإسلامية تدفع نحو دخول البلاد في متاهاتها حيث عززت تونس علاقتها مع الأميركيين لكن دون أن يكون ذلك على حساب الصين.
وانفتحت تونس اقتصاديا بشكل لافت على بكين حيث انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق الجديد التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام 2013 لتتوج تلك الجهود في 2018 بتوقيع اتفاقية تعاون مع الجانب الصيني بعد سنتين ونصف من المفاوضات.
واستبعد ونيس أن تكون لتونس تحالفات دولية تقليدية على الساحة الدولية قائلا “هناك تحولات عميقة في الساحة الدولية، ويوجد اليوم استقطاب جديد بين شرق وغرب، وهذا الاستقطاب كانت تونس دائما محايدة فيه لأنها لا تريد أن ترهن نفسها لأي محور رغم أنها تميل إلى الليبرالية،. فتونس عليها الحفاظ على علاقاتها المتميزة مع الغرب وفي نفس الوقت تعزيز علاقاتها مع القوى الصاعدة ومنها الصين”.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد