أخطبوط الفساد يخترق المنظومة الصحية في تونس | خالد هدوي
تونس- اخترق أخطبوط الفساد المنظومة الصحية في تونس عبر شبكات تهريب الأدوية داخل المستشفيات وخارجها، ورغم التحذيرات المتصاعدة من استفحالها وخطورة تداعياتها خلال السنوات الأخيرة، لا تزال هذه الظاهرة متفشية على نطاق واسع حيث تكبّد الدولة حوالي 600 مليون دينار سنويا (قرابة 216 مليون دولار).
وتداولت تقارير محلية أنه رغم كل الإجراءات التي تم بذلها في سبيل القضاء على شبكات تهريب الأدوية، إلا أنها تواصل نشاطها بالرغم من كشفها في السابق وإثبات تورط عدد من الصيدليات والمزوّدين فيها.
وقالت الجمعية التونسية للحق في الصحة إن ممارسات الفساد أصبحت تخترق المنظومة الصحية من خلال سرقة الأدوية وتهريبها، مشيرة في إحدى تقاريرها إلى وجود شبكات تهريب سواء داخل المستشفيات أو خارجها وهو ما أصبح يهدد الحق في الصحة والحق في الدواء.
نوفل عميرة: المهرّبون يستغلون سعر الدواء المنخفض في تونس مقارنة بالجوار
ويبدو أن “ورم” الفساد المنتشر في مختلف هياكل الدولة ومؤسساتها اخترق جسم المنظومة الصحية عبر ارتفاع وتيرة عمليات تهريب الأدوية، فضلا عن إخلالات أخرى طالت فروعا تتعلق بالقطاع الحيوي في تونس.
وقال نائب رئيس نقابة الصيدليات الخاصة نوفل عميرة في تصريح لـ”العرب”، إن “تهريب الأدوية في تونس يتم أساسا مع ليبيا وبدرجة أقل مع الجزائر باعتبار الحدود المشتركة وعبر المعابر الحدودية”.
وأضاف “التهريب متعدد الأوجه وفي علاقة مباشرة بمنظومة الدعم، أي أن سعر الأدوية منخفض في تونس مقارنة بالبلدان المجاورة وهذا الجانب يستغله المهربون وأساسه الفارق في قيمة الربح”.
وبينما ترى أطراف أن تهريب الأدوية نسبي في تونس، أكدت شخصيات سياسية مكلفة بمعالجة ملفات الفساد أن المسألة خطيرة وتهدد سلامة التونسيين وحقهم المكتسب في الصحة.
وتعهدت هذه الأطراف بضرورة فتح ملفات تتعلق بالفساد في المنظومة الصحية، داعية إلى تشديد عمليات الرقابة ومحاسبة المتجاوزين.
وأفاد رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بالبرلمان عياشي الزمال أن “اللجنة برمجت لقاء في الأيام القادمة مع محكمة المحاسبات للنظر في موضوع الفساد في قطاع الصحة، كما سيتم الاستماع إلى هيئة مقاومة الفساد حول مسائل تتعلق بالقطاع”.
وأضاف الزمال في تصريح لـ”العرب” أنه “عند رقمنة توزيع الأدوية بمستشفى الحبيب ثامر بالعاصمة تونس، لاحظنا انخفاضا في حدود 27 في المئة مقارنة بما سبق، وإذا تمت رقمنة مختلف المستشفيات المحلية والجهوية سيكون الرقم مفزعا”.
وأشار الزمال إلى “أنه في السنوات العشر السابقة تم تهريب كميات كبيرة من الأدوية، وسنفتح تحقيقا في هذا الملف، فضلا عن ملف الفساد والحوكمة والنفايات الطبية للمستشفيات، وهناك 10 آلاف طن من النفايات الطبية يتم رسكلة 7 آلاف طن منها”.
وتابع “من المؤكد وجود شبكات فساد في قطاع الصحة، ومنذ 3 سنوات تم العثور على ثغرة في إدارة المستشفى قدرت بـ600 ألف دينار (قرابة 216 ألف دولار). وهناك تهريب للأدوية بين تونس وليبيا وشبكات في المستشفيات والصيدليات”.
عياشي الزمال: هناك شبكات تهريب للأدوية بين تونس وليبيا وفي المستشفيات
ووفق بلاغ صادر عن وزارة الداخلية تمكنت فرقة الأبحاث العدلية التّابعة لوحدات الحرس الوطني ببن قردان من ولاية مدنين (جنوب) السبت الماضي من الكشف عن شبكة مختصة في تهريب الأدوية إلى بلد مجاور، وحجز كمية من الأدوية المهرّبة بقيمة 12 ألف دينار (4.32 ألف دولار).
وقبل أسبوعين تمكنت فرقة الحرس الوطني البحري بميناء الكتف ببن قردان من إحباط عملية تهريب كمية كبيرة من الأدوية تضم أكثر من 60 صنفا من مختلف الأنواع، معبأة في علب كرتونية ومتجهة إلى القطر الليبي عبر البحر على متن مركب بحري.
وفي 2018 تمكّنت مصالح الجمارك على مستوى نقطة التفتيش “القيطون” ومحطة الكشف بالأشعة بالمكتب الحدودي برأس جدير من إحباط محاولتي تهريب لكمية هامة من الأدوية في اتجاه ليبيا.
وتمّ حجز حوالي 2500 علبة وقارورة دواء من أنواع مختلفة جزء منها مدرج بقائمة خصوصية وجزء آخر مفقود من الصيدليات المحلية، حسب إفادة خبير من الصيدلية المركزية.
ومثلت جائحة كورونا فرصة لانتعاش تجارة الأزمة الصحية في تونس وكشفت عن حجم الفساد الذي يعانيه القطاع الصحي إلى جانب معضلة تهريب الأدوية.
واشتكى العديد من المصابين بالوباء في تونس من نقص في الأدوية والمكملات الغذائية خصوصا الفيتامينات وعدم توفرها في الصيدليات، حيث حمّلت أوساط شعبية واجتماعية المسؤولية لقصور الدولة في مواجهة مهربي وتجار الأدوية.
وكشفت الأزمة عن اختلالات كبيرة تعانيها المنظومة الصحية في تونس، حيث يشجع مناخ الفساد الذي يحوم حول هذا القطاع على المزيد من التجاوزات التي تهدد حق التونسيين في الرعاية الصحية السليمة.