- الإعلانات -

- الإعلانات -

ألف فنجان قهوة وفنجان | هيثم الزبيدي

يروي لي الأصدقاء عن مشاهد عودة الحياة في بعض العواصم العربية. الناس ملوا من عزلتهم وتغلبوا على مخاوفهم من كورونا. الخطر نفسه لا يزال ماثلا، لكن الأفراد تأقلموا أكثر من قبل. لا يزال الوعي بأهمية اللقاح محدودا، بل بائسا في بعض الدول والمجتمعات “المؤمنة بقضاء الله وقدره” والتي لا تقدّر أهمية ما بذل من جهود للإتيان بلقاح، لكن الحكومات ستسعى لأن تفرض واقعا لا يعود أمام المرء إلا أن يختار بين استمرار عزلته الشخصية واللقاح. لا أحد يريد أن يصعد في مصعد فيه شخص ممكن أن يكون مصابا.
أهم مشاهد الحياة المقاهي. ازدحامها دليل على حيوية تعود. العرب يحبون مقاهيهم. زملاء يقولون لي إن عليك أن تقف في طابور للحصول على قهوة في بعض أحياء وأسواق تونس. في المغرب لا تحس بوجود الوباء. في القاهرة الصور تقول لك: أي وباء؟ الناس يحبون الحياة ويحبون المقاهي التي هي مظهر من مظاهر التواصل في بيئة غير مكلفة. أصحاب المقاهي لا شك يحسون أكثر من غيرهم بالحركة الاقتصادية التي أحدثها هذا الانفتاح. دعاؤنا لهم ولأصحاب المطاعم والباعة الجوالين بالاستمرار.
هذا ملمح صحي لتحريك الاقتصاد المحلي، خصوصا في بلاد كلفة التشغيل فيها معقولة، والأسعار رخيصة. لكن حتى هذه البلدان تحتاج إلى أكثر من حركة في المقاهي. تونس والمغرب ومصر بلدان سياحية. السياحة عصب من أعصاب الاقتصاد. رجل الأعمال يقترض من البنك ويبني فندقا ويستقطب السياح. يأتون بالملايين ومعهم العملة الصعبة. ولكن المهم أيضا أنهم يحملون معهم فرصا متشعبة لعمل الآخرين. السياحة ليست فندقا وحسب، بل رحلة طائرة ورسوم مطارات وسائق تاكسي وتوريدات غذائية للفندق وشاحنة تنقل التوريدات من سوق، وفلاح يجهز السوق وراعٍ وغنم، ودكاكين للأشياء التذكارية ومحل آيس كريم جنبها. اذهب إلى مدينة ياسمين الحمامات على الساحل التونسي وسترى عالما نابضا بالحياة بشكل مصغر.
عندما يعود هؤلاء السياح إلى تلك البلاد بشكل مكثف ويبدأ الاقتصاد بالتعافي، يمكن أن نحس براحة أكبر. ولكن ثمة ملاحظة تستحق الحديث عنها. أن آخر ما يريده رجال الأعمال الآن هو أن يتسببوا بأزمة، خصوصا مع تزايد عسرتهم المالية وعسرة البنوك. الأزمة علمتهم أن يكونوا موضوعيين وأن يكونوا أخلاقيين أكثر. الفقر إحساس نسبي، ويمكن أن يصيب الغني أكثر من الفقير. الفقير مستعد. الغني يقف أعزلَ بعد استنفاد موارده. الناس يتعاطفون مع الفقير. من يتعاطف مع المليونير؟
مرة أخرى إلى المقهى. المهمة ليست يسيرة. غرفة الفندق بمئة دينار في الليلة. فنجان القهوة بدينار. يحتاج صاحب المقهى إلى الكثير من الزبائن لكي يتمكن من تحقيق الحد الأدنى من الربح ويعيش. يحتاج ربما يوميا إلى أن يبيع ألف فنجان وفنجانًا.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد