أمين عام المنتدى العربى للبيئة والتنمية نجيب صعب لـ « الأهرام » : أهم تحد يواجه قمة شرم الشيخ هو من يدفع الثمن وكيف يتم توزيع الأعباء؟

  • COP 27  أول قمة بدون أصوات معارضة لتغير المناخ
  • البيئة القوية يحميها القانون لا جامعو القمامة .. وعلى الدول العربية وضع تشريعات جاذبة للاستثمار الأخضر
  • العالم اليوم يعيش الآثار الأولى لأزمة المناخ  من كوارث طبيعية وجفاف وفيضانات ونقص في الإنتاج الغذائي   
  • هناك أمية مناخية فى العالم كله وعلينا البدء بتبسيط علوم المناخ والبيئة وإدخالها كعنصر أساسي في المناهج التربوية

 

تطرح قضية تغير المناخ تحديات كبيرة وأسئلة عديدة عن كيفية المواجهة، وأزمة التمويل المعضلة، عن سبل التكيف معها، وكيفية التخفيف منها، عن الخسائر والأضرار الناتجة عنها، عمن يتحمل مسئوليتها، عن ماهية الإجراءات العاجلة المطلوب اتخاذها على وجه السرعة، عن الخوف من الغد٫ وما يحمله من مستقبل غامض بسبب تلك التغيرات، عن الحرائق الكبيرة والفيضانات الكثيرة التى تجتاح عالمنا، عن قربنا من الاحترار البالغ 5.1 درجة مئوية، عن مستقبل الزراعة والسياحة والصحة، عن الأهداف الأساسية التي يمكننا السعي إلى تحقيقها من أجل إحداث التغييرات الضرورية، عن مواجهة الخطر القادم  والتهديد الخطير لنا جميعا،عن أى طريق نسلك؟
تلك التحديات الكثيرة والكبيرة وهذه الأسئلة الكثيرة لم نجد خيرا من نجيب صعب، أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية، مؤسس ورئيس تحرير “البيئة والتنمية”، المجلة البيئية الأولى في العالم العربي، ليشاركنا رحلة البحث عن إجابات لم ينفك نجيب عن العمل البيئى منذ نحو 45 عاما بدأها مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة لغرب آسيا عام 1977، ثم مع العالم الراحل مصطفي كمال طلبة، في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، مرورا بمناصب عدة، وجوائز عالمية لانجازاته البيئية.. وإلى تفاصيل الحوار..

ـ بداية كيف تنظر إلى قضية تغيرات المناخ الآن؟
التغير المناخي أصبح حقيقة واقعة، فجميع دول العالم على اتفاق أن المناخ يتغير،خاصة بسبب النشاطات الإنسانية المسببة للانبعاثات الكربونية. كما أن هناك قبولاً بأن هذه المنطقة  بين أكثر مناطق العالم تأثرا بالتغيرات المناخية، خاصة ما يتعلق بارتفاع مستويات البحار وتضاؤل المياه العذبة والتصحر، وأن لهذا آثارا كبيرة على السياحة والإنتاج الغذائي وصحة الإنسان. وقد تكون قمة شرم الشيخ هي الأولى منذ بدأت القمم المناخية التي لن تكون فيها أصوات معارضة لحقيقة تغير المناخ.
ففي السابق، كانت تصدر دائما أصوات تعتبر أن الحديث عن تغير المناخ مؤامرة، إما على الدول المنتجة للنفط، لمنعها من استخدام ثرواتها الطبيعية، أو على الدول الفقيرة والنامية لوضع قيود على حقها في النمو.. هذه المرة، لا توجد أصوات معارضة، إذ ان هناك اتفاقا على أن المناخ يتغير، وأنه لابد من إجراءات للتصدي لهذا التغير، من جهتين: أولا، خفض الانبعاثات لوضع حد لارتفاع الحرارة، فلا تتجاوز الدرجة ونصف الدرجة مع نهاية هذا القرن، وثانيا، ما نسميه بالتكيف.
 وأنا صراحة لا أحب هذه العبارة بالعربية، وهي تسمى بالإنجليزية “adaptation”. فهي تشير فى الأصل إلى الاستعداد للتصدي لوضع جديد، وليس الاستسلام له..أي أن نكون مستعدين لبعض آثار التغير المناخي التي لن يمكن وقفها مهما فعلنا، فالبحار سترتفع إلى درجة معينة حتى لو نفِذت كل الإجراءات، وسيكون هناك تأثير كبير على إنتاج الغذاء بسبب ارتفاع الحرارة، حتى إذا تم حصر الارتفاع في درجة ونصف الدرجة. كما ستكون هناك آثار لن يمكن وقفها على صحة الإنسان، فالتغير في معدلات درجات الحرارة سيؤدي إلى انتقال أمراض من مناطق إلى أخرى لم تكن معروفة فيها سابقا. وهناك آثار كبيرة على السياحة، فالشعاب المرجانية مثلا، التي تجتذب السيّاح إلى منطقة البحر الأحمر، ستتدهور بسبب الحرارة.. إذن، علينا أن نوقف هذا التدهور، ولكن أيضا علينا أن نفكر في بدائل، وهذا لا يعني استسلاما بل هو استمرار في التصدي للتغيرات.

– وما التحديات التى تواجه قمة المناخ المقبلة في مصر؟
نقطة الخلاف الأساسية الباقية هي: من يدفع الثمن؟ هناك اتفاق على ضرورة العمل على مواجهة التغير المناخي، ولكن لهذا تكاليف ضخمة، فكيف يتم توزيع الأعباء؟ وهنا أقول إن هناك ثلاثة تحديات رئيسية ستواجه قمة المناخ: أولها: هو الاتفاق على الأولويات، أي بماذا نبدأ؟ علينا بالتأكيد خفض الانبعاثات، ولكن من أين نبدأ، في أى منطقة وفي أى صناعات وفي أى وسائل إنتاج؟ فهل تكون البداية في الحد من انبعاثات الصناعات؟ وأى أنواع من الصناعات؟ وإذا كانت من وسائل النقل، فهل نركّز على حركة الطيران، أو الشحن البحري، أو النقل البري؟ ومتى يأتي دور تخفيض الانبعاثات من الزراعة؟ إذن لابد من الاتفاق على الأولويات، وكيف يتم التخفيض، وبأى نسبة يتم التوزيع على النشاطات البشرية؟ وإذا كان البعض يعتقد أن هذه المشكلة سأعطيك مثلا من هولندا، هناك خلاف كبير وصل إلى تظاهرات عنيفة للمزارعين في الأشهر الأخيرة، لأن بين تدابير تخفيض الانبعاثات للغازات المسببة للاحتباس الحراري تخفيض حجم قطعان الأبقار على نحو كبير يصل إلى النصف، حيث إنها تصدر انبعاثات كبيرة من غاز الامونيا..ويرفض المزارعون التخلى سريعا عن قطعان الأبقار، لأنها مصدر عيشهم. ومع أن الحكومة تعرض مساعدات للانتقال إلى بدائل، منها استبدال زراعة أعلاف الأبقار ومزارعها بمنتجات أخرى للاستهلاك البشري، لكنهم يرفضون لاعتبارهم أن تربية الأبقار تراث وطريقة حياة. وهذا قد يشابه الطلب من المصريين، الحد من زراعة الأرز واستبداله بأنواع أخرى من الغذاء تتطلب كميات أقل من المياه.
ـ وماذا عن التحدي الثاني؟
التحدي الثاني هو الجدول الزمنى، فهناك اختلاف كبير على من أين نبدأ ومتى ننتهي؟ وهل من الممكن أن تخفض الدول الصناعية انبعاثاتها إلى الصفر سنة 2050 كما هو محدد؟ وكم تطول فترة السماح الإضافي التي يمكن منحها للدول النامية لتستطيع تصفير الانبعاثات؟ ولكل خيار أثمانه الاقتصادية.البعض يقول انه علينا أن نسير ببطء لمدة عشر سنوات ونزيد من الالتزامات بعد هذه الفترة، فيما البعض الآخر يحذر من أن هذا غير مقبول إطلاقا، لأن الوضع خطير جدا، ولا نملك رفاهية التأجيل.
أما التحدي الثالث والأهم فهو كيفية توزيع التكاليف، لأن لتخفيف الانبعاثات ومواجهة التغيرات المناخية أعباء مالية باهظة، فمن يتحملها؟ هل على الدول الفقيرة المساهمة أيضا وبأي نسبة؟ كيف نطلب منها أن تُخفض انبعاثاتها، أى أن تنتقل إلى وسائل أنظف ولكنها أكثر كُلفة وقد تتطلب قدرات تكنولوجية معقدة لا تمتلكها، إذا لم تساعدها الدول الصناعية؟ وهذا حق وليس منة، لأن الدول الصناعية كانت المسبب الرئيسي في الانبعاثات منذ الثورة الصناعية وعليها أن تعوض الدول المتضررة.  

ـ وهل ننتظر من COP 27 أن يحل هذه المشكلات؟
كان الجميع ينتظر أن يكون COP 27  في شرم الشيخ قمة الحلول العملية للمناخ. لكن بين قمة جلاسكو في العام الماضي واليوم، حدثت تغيرات كبيرة فى العالم، حيث إن التخلص من آثار جائحة كورونا تطلب وقتا أطول مما كنا ننتظر، مما أثّر كثيرا في الاقتصاد العالمي. فنحن نعلم مثلا أن دولا مثل الصين اضطُّرت إلى تخفيض إنتاجها بنسبة كبيرة بسبب الحجر الطويل على المصابين بفيروس كورونا، وهذا انعكس ليس فقط داخل الصين، بل على الإنتاج في مناطق كثيرة من العالم التي تعتمد على قطع ومكونات أساسية ممها. ولم يكد العالم يعتقد أنه انتهى من قصة كورونا، حتى داهمتنا الحرب الروسية الأوكرانية بمضاعفاتها الكبيرة.فهي سببت ضربة قاصمة للاقتصاد العالمي وعرقلت إمدادات الطاقة، التي قفزت أسعارها بسرعة قياسية غير مسبوقة.
إذن، نأتي إلى قمة شرم الشيخ مع انهيارات اقتصادية فى العالم من أوروبا إلى أمريكا إلى افريقيا، وعلينا أن نكون واقعيين..فالدول المانحة التي أعطت وعودا في جلاسكو قد لا تنفذ وعودها بتعهدات إضافية أو تسريع الالتزام، هذا إذا لم تتقاعس عن تنفيذ تعهداتها السابقة. وسوف نشهد استمراراً في المماطلة بالتزام الدول الصناعية بـ “صندوق  الخسائر والأضرار”، الذي يفترض أن تدفع من خلاله تعويضات عن الانبعاثات الكربونية التي صدرت عنها خلال الأعوام الـ 150الماضية. فالدول النامية لم تتسبب الا بنسبة ضئيلة فى الانبعاثات، لكنها الأكثر تأثراً بمخاطر التغيرات المناخية اليوم. لكن القبول بمبدأ التعويض يعني اعتراف الدول الصناعية بمسئوليتها التاريخية عن الانبعاثات الكربونية، ولذا تتجنبه، لأنه يفتح الباب واسعا، أمام تعويضات كبيرة لسنوات طويلة اتية.
بكلمات مختصرة: المشكلة المركزية الباقية في مفاوضات المناخ هي حجم التمويل وآلياته، ومن المستبعد أن تُحل في شرم الشيخ.
وللتذكير، ففي قمة جلاسكو حصل تعهد من الدول الصناعية بالتوصل الى حل لهذه المشكلة في اجتماع عقد لاحقا في بون بألمانيا في يونيو الماضي، لكن هذا الاجتماع لم يصل إلى أي نتيجة، وهو أجّل الاتفاق على صندوق الخسائر والتعويضات إلى قمة شرم الشيخ..وفي ظل الظروف الحالية، من المرجح أن الموضوع سيؤجل من جديد إلى قمة أبوظبي. لذا سنكون مرة أخرى أمام مشكلة من يدفع الثمن؟ وكيف يتم تمويل العمل المناخي؟
– هذا يعنى أن هناك مشكلة في إيجاد التمويل من الحكومات المفلسة، فما العمل إذن في تمويل التدابير للتصدي للتغير المناخي؟
لا مفر أمام الدول النامية، وبينها العربية، من التخلي عن الاعتماد الكامل على القروض والهبات والتبرعات، وهي أساساً لم تكن كافية حتى في سنوات “البحبوحة”، والبحث عن مصادر أخرى، من القطاع الخاص تحديداً. وهذا يتطلب استقطاب استثمارات من مصادر خارجية وإقليمية وداخلية في مشروعات تسهم في خفض الانبعاثات، كما تسهم في بناء ما نسميه الاقتصاد الأخضر في بلدانها.. إن دولا مثل مصر والأردن والسودان وتونس والمغرب، تمتلك طاقات طبيعية كبيرة، وهناك مجالات للاستثمارات المجزية في الطاقة والزراعة والسياحة المستدامة وغيرها، لكن عليها أن تضع تشريعات وقوانين ملائمة لاستقطاب تلك الاستثمارات، بما يحافظ على البيئة والاقتصاد في الوقت نفسه. وعلى هذه القوانين أن تكون مستقرة، لا تتغير كل بضع سنوات، حيث إن المستثمر من القطاع الخاص يحتاج إلى ضمانات بعدم تغيير القوانين كل فترة. لذا فالاستقرار التشريعي والسياسي ضروري. وهذه الاستثمارات تكون عادة بالشراكة مع القطاع الخاص المحلي.

ـ يوما بعد آخر يزداد الحديث حول أخطار التغيرات المناخية، لكن متى تدرك دول العالم أنّها أمام منعطفٍ خطير لابد من مواجهته بالتكاتف؟
تجاوزنا الكلام، والعالم يعيش اليوم الآثار الأولى لأزمة المناخ. وخلال السنتين الماضيتين حدثت كوارث طبيعية كبيرة كان سببها التغير المناخي، من جفاف أدى إلى نقص في الإنتاج الغذائي الزراعي، إلى فيضانات قضت على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية والمنشآت والبشر، إلى حرائق كبرى حدثت في منطقة حوض البحر المتوسط وفي أمريكا الشمالية وأوربا والولايات المتحدة وكندا..هذه مجرد نماذج مصغرة قد نعتبرها “تمارين” لما سيحدثه التغير المناخي الكبير. هناك قبول  بأن أخطار التغيرات المناخية تتعاظم، وأنا أعتقد أن العالم الآن عرف أنه وصل إلى منعطف خطير. لكننى بالفعل أخاف أن يحدث في قضية التغيرات المناخية كما حدث مع ناقلة النفط اليمنية المتهالكة “صافر”، التي كانت تُستخدم كمنصة تخزين عائمة، توقفت عن العمل منذ 8 سنوات بسبب الحرب، مع حمولة مليون برميل من النفط، واتخذها الحوثيون رهينة، فاهترأت وتحولت إلى قنبلة موقوتة قد تتكسر وتنفجر في أي لحظة. وبعد تأجيل حل المشكلة لسنوات، تبرعت بعض الدول في اللحظة الأخيرة بالمال المطلوب لعملية الإنقاذ. وأنا أقول إنه إذا كان ممكنا في حالة الناقلة النفطية، وهي مشكلة بسيطة جدا مقارنة مع تغير المناخ، أن يصل تبرع في آخر لحظة لإنقاذ الوضع، فهذا غير متاح مع تغير المناخ، حيث اللعب على حافة الهاوية هو بمثابة انتحار.. التصدي لتغير المناخ يحتاج إلى عمل جماعي سريع. جميع الدول متفقة على هذا، لكن كلاً منها تؤجل التعهدات والتنازلات الى اللحظة الأخيرة، لعل غيرها يتحمل عبئاً أكبر. والاستمرار في هذا انتحار، لا اعتقد أن أحداً يسعى إليه قصداً، فلنأمل فى ألا نصل إليه عن طريق الخطأ.

– منذ اتفاقية استوكهولم مرورا بريو عام 1992 ثمّ كيوتو 1997 وأخيرا قمة جلاسكو، يشعر البعض بأنها قمم أخذت تعهدات ووضعت التزامات، لكننا كل يوم نصبح على كرة ثلج أكبر لهذه التغيرات، ما المطلوب إذن؟
صحيح أن كل هذه الاتفاقيات والقمم أعطت تعهدات ووعودا، لكن المشكلة تكبر بالفعل، لأن التأجيل كان سيد الموقف، وكل طرف ينتظر من الآخرين البدء بالتنازلات. الخلاف اليوم ليس على ضرورة العمل بل على توزيع الأعباء. لذا آمل من قمة شرم الشيخ أن تتوصل الى توزيع عادل للأعباء.وهذا يتطلب أيضاً التخلى عن الكثير من العادات الاستهلاكية ومن أشكال الرفاهية، خاصة في الدول الغنية،لإنقاذ العالم.
ولعلى هنا أعطيك بعض الأمثلة. من التدابير المطلوبة لتخفيض الانبعاثات تخفيف أكل لحوم الأبقار، فبعض الدول المنتجة للحوم الأبقار تعارض هذا لأنه مصدر رزقها. البرازيل والأرجنتين مثلا تعارضان أية إجراءات للتشجيع على الحد من استهلاك اللحوم، مثلما تعارض الدول النفطية تخفيض إنتاج النفط.وشركات السيارات الألمانية، المعروفة بتصنيع أسرع المحركات في العالم، تضغط على الحكومة لمنع وضع حد للسرعة على الطرقات الألمانية، لحماية أفضليتها لدى السائقين، مع أن القيادة بسرعة مائتي كلم في الساعة تضاعف استهلاك المحروقات وتُصدر ضعفي الغازات لسرعة مئة كلم. إذاً، هناك مصالح اقتصادية كبيرة في هذا المجال، ولكن على الدول حماية المصلحة العامة والتفكير في بدائل، وهي موجودة.
في يناير 2021 تم تشكيل تحالف إجراءات التغير من قبل المملكة المتحدة ومصر وبنغلاديش وملاوي وهولندا وسانت لوسيا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي “لتسريع العمل العالمي بشأن التكيف لتحقيق عالم مرن للمناخ بحلول عام 2030.” هل استطاع هذا التحالف أن يفعل شيئا؟
معظم التمويل، أكان قروضاً أم هبات، يذهب الآن لتخفيف الانبعاثات الكربونية، ولا تحصل تدابير التكيف، أي الاستعداد للتصدي لآثار التغيرات المناخية التي لن يمكن وقفها، إلا على النزر اليسير. فالدول العربية، مثلاً، تحصل على عشرين في المائة فقط للتكيف من إجمالي التمويل المناخي. وهي، مع بقية الدول النامية، تعتبر الأكثر تأثرا بآثار التغيرات المناخية، لكنها الأقل استعدادا للتعامل معها، عدا عن أنها الأقل تسبباً بها. فمثلا الفيضانات التي حدثت في باكستان مؤخرا أدت إلى خسائر فظيعة في الأرواح والممتلكات، بينما حصلت فيضانات أكبر في الولايات المتحدة وتمكنت من حصرها بأقل قدر ممكن من الخسائر، لأنها تمتلك الإمكانات للمواجهة. هدف هذا التحالف كان استقطاب أموال اكثر لتدابير التكيُّف. ولكن في ظل الأزمات الكبرى التي يواجهها العالم، لا أتوقع ألحصول على تمويل إضافي، بل إعادة توزيع ما هو موجود لزيادة حصة التكيف.وعلى الحكومات أيضاً استخدام ميزانياتها الوطنية على نحو سليم، والتركيز على الاستثمارات الصديقة للبيئة والمناخ، مع اعتماد مواصفات في المشاريع القائمة، خاصة البنى التحتية، تدعم القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.

– بخصوص الحديث الدائم عن الأمية المناخية، هل ترى أنه بات واجبا على الجمهور فهم علوم المناخ وما هي الحلول المناخية حتى يتمكنوا من مساءلة السياسيين أمامهم، وكيف؟
أنت محق في ذلك، فهناك أمية مناخية، لكنها ليست محصورة فى العالم العربي فقط، إذ إنها موجودة في كل أنحاء العالم، والمطلوب لمحو تلك الأمية أن نبدأ بتبسيط علوم المناخ حتى يعرف الناس أنها حقيقية وليست خيالا، ومن أهم المطالب في ذلك إدخال البيئة والمناخ كعنصر أساسي في المناهج التربوية، وأن يكون هناك اختصاصيون يكتبون في الموضوع ويتحدثون عنه، وأن تكون هناك برامج تليفزيونية وإذاعية مخصصة للبيئة وتغير المناخ، وأن يقوم عليها أيضا اختصاصيون، لأنه في كثير من الأحيان من يتحدث عن المناخ في هذه الموضوعات لا يفهمها جيدا، فيؤدى إلى تعقيد الموضوع بدلا من تبسيطه، وأحيانا كثيرة يتم الخلط والوقوع في أخطاء، مثل الخلط بين تغير المناخ وطبقة الأوزون، وهما مسألتان مختلفتان.
ومن ناحية أخرى، علينا دائما في حملات التوعية، إن كانت في المدارس أو في وسائل الإعلام، أن نعطى أمثلة محلية من الواقع المعيش. ففي مصر مثلا علينا التحدث عما يصيب الدلتا بسبب انخفاض الأراضي وارتفاع البحر، وعن نهر النيل وقلة المياه وتسببها في الجفاف ليس في مصر فقط بل أيضا السودان وإثيوبيا، وأن نتحدث كذلك عن الإنتاج الزراعي، وأن نحضّر الناس إلى إمكانية اضطرارهم،خلال خمسين أو مائة سنة، للتحوُّل إلى منتجات زراعية بديلة تحتاج إلى كميات أقل من المياه، ولكن تعطى نفس العناصر الغذائية التى يحتاجها الإنسان. وعلى المناهج والإعلام في مصر أن تنبه إلى الأمراض الجديدة والمستجدة نتيجة تغير المناخ، وهي قد تكون غير موجودة الآن.
وقد تُضطر مصر أن تهيئ الجمهور لقبول نشاطات سياحية بديلة بعيدة عن الشواطىء. وفي النتيجة، فإن المطلوب أن يقوم علماء يعرفون المسألة جيدا، بتبسيط قضايا تغير المناخ والبيئة وإيصالها إلى الجمهور. والهدف من ذلك هو أن يشكلوا أداة ضغط على متخذي القرار من السياسيين، لأن التغيير في النتيجة يقوم به أصحاب القرار في الحكومات باتخاذ تدابير تؤمن حماية البيئة ووقف تدهور تغير المناخ. وهنا لا بد من التأكيد على أهمية التوعية البيئية والمناخية بين السياسيين وصنَّاع القرار أيضاً.

ـ وهل لا يزال بإمكاننا الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية من خلال العمل المناخي السريع؟
يتبين من الدراسات الأخيرة أنه حتى لو تم تطبيق كل الالتزامات التى وضعت حاليا، سترتفع درجة الحرارة إلى أكثر من درجة ونصف الدرجة، ولكن ستبقى دون الدرجتين، حتى لو نُفِّذت كل التعهدات. وهذا يدفعنا إلى تطبيق مستوى أعلى من الالتزامات، بالتزامن مع الاستعداد للتعامل مع بعض المتغيرات التى لن يمكن وقفها. وهذا يعيدنا إلى التحالف السابق ذكره بين المملكة المتحدة وهولندا ومصر ودول أخرى، بهدف تسريع العمل لإعطاء الدول الفقيرة إمكانات أكثر للتعامل مع تلك الآثار التى لن يمكن وقفها.

ـ في COP 27  ما الخيارات المطلوب اتخاذها للتحكم في مستقبلنا المناخي؟
العمل مطلوب من كل المجموعات. أولا، على الدول الصناعية الغنية أن تقبل بدفع تعويضات للدول الفقيرة لقاء الضرر الذى سببته تاريخيا عن طريق زيادة الانبعاثات التي أوصلت الى التغير المناخي. وعلى هذه الدول أيضا أن تقبل بوضع حد للنمو غير المحدود الذي تعتمده، وهو ما تمارسه الصين ايضاً اليوم، إذ تنظر إلى معدلات النمو الرقمية وليس إلى النمو المستدام الذي يدعم الحياة البشرية. على الدول الصناعية كذلك القبول بتغيير عاداتها الاستهلاكية، وعلى دول العالم النامي أيضا أن تتوقف عن القول إننا لم نتسبب في الانبعاثات الكربونية ومن ثمّ لا مسئولية علينا، وهذا خطأ كبير. فحين نكون في مركب يغرق علينا أن نعمل جميعا على وقف غرقه. لذا على الدول النامية الفقيرة أيضا أن تعمل على تغيير أساليب التنمية لديها لتحقيق أكبر قدر من التنمية الصحيحة بأقل قدر من الانبعاثات والاستخدام الكفء للموارد الطبيعية. وعليها أن تعمل أيضا على وقف الفساد وتحسين أنظمة الحكم والرقابة فيها حتى تحصل على أكبر قدر من التنمية والتقدم لشعوبها. كما أن على القطاع الخاص أن يبادر إلى العمل لتنفيذ الالتزامات المناخية. وكما نعلم فالقطاع الخاص كان دوماً طرفاً في القمم المناخية، ولكنه لن يقوم بأعمال مجانية، لأنه ليس جمعيات خيرية، فعلًّة وجوده تحقيق مردود مادي تحت سقف قانون عادل، ولكي يقوم بالتزامات يجب أن تكون هناك قوانين تفرض على الجميع الالتزام بشروط معينة ليكون التنافس منصفاً.
وتجدر ملاحظة أن الوضع مع القطاع الخاص ليس سيئا إلى هذا الحد، فعندما ألغى الرئيس ترامب معظم الاتفاقات والالتزامات المناخية لم توقف كبريات الشركات الأمريكية عملها البيئى والمناخي، فهي امتنعت عن ضخ استثمارات بعيدة المدى على طريقة ترامب، لئلا تخسرها لاحقاً. القطاع الخاص ذكي وهو التقط الإشارة الصريحة بأن المستقبل هو للاقتصاد الأخضر وأن العمل المناخي ليس مزحة. هناك قبول أن الاستثمار بعيد المدى يجب أن يكون استثمارا يحافظ على البيئة، كما يحافظ على العمل المناخي لخفض الانبعاثات. والمسألة المهمة جدا التي أكررها الآن أن كوب 27 في ظل الوضع الاقتصادي الراهن عليه أن يركز على تشجيع الدول على تطوير الالتزام بسياسات مستقرة تستقطب استثمارات القطاع الخاص من داخلها أو من الدول الأخرى.
– ما المطلوب من الدول العربية؟
على الدول العربية أن تحفظ حقوقها وتفاوض على التزاماتها كجبهة واحدة في قمة المناخ. وعلى أهمية التعاون مع مجموعة الدول النامية، وعليها أن ترفض لعب دور حصان طروادة لدول كانت “نامية” وتحولت إلى أكبر منتج لغازات الاحتباس الحراري. والمأمول من الدول العربية أن تتعاون فيما بينها داخليا، وأن تستفيد من تجربة الاتحاد الأوروبي، الذي يتعاون اقتصاديا مع احتفاظ دوله بحق التنوع. على العالم العربي أن يتوحد في عمله الاقتصادي، وأن تكون هناك استثمارات أكبر بين الدول العربية قبل أن ننظر إلى الخارج. مصر لديها إمكانات لا محدودة من السياحة البيئية، وكذلك الزراعات الملائمة في مصر مهمة جدا وطاقات بشرية كبرى يمكن تطويرها وإيجاد وسائل إنتاج توظفها، وهذا ينطبق على دول عربية أخرى، مثل السودان، فمن المعيب أن يحتاج العالم العربي إلى القمح وإلى الحبوب وإلى أنواع كثيرة من الإنتاج الزراعي بوجود الأراضي الزراعية الشاسعة الخصبة في السودان.

ـ فشلت وثيقة جلاسكو في تبني لغة حازمة بشأن صندوق الخسائر والأضرار، فهل من الممكن تدارك ذلك في قمة شرم الشيخ؟  
أنا لا اعتقد أنه يمكن الوصول إلى اتفاق صريح وملزم في مسألة الخسائر والأضرار في شرم الشيخ، أعتقد أنه سيتم تأجيل هذا الموضوع إلى قمة أبوظبي، فقد يكون الوضع الاقتصادي العالمي قد تغير خلال هذه الفترة ويسمح أكثر بالوصول إلى حل وسط وتسوية في هذا المجال، كما لا أعتقد إطلاقا أنه يمكن الوصول إلى التزام غير محدود بدفع تعويضات لأن هذا سيكون خطيرا جدا على الدول الصناعية وقد يلزمها بدفع تعويضات إلى عشرات السنين، ولا أعتقد أنها ستقبل بهذا، ستحاول أن تدفع مرة وواحدة ولفترة محددة، ولكن لا اعتقد أن هذا سيحدث في شرم الشيخ في هذا الجو الاقتصادي الضاغط الذي نعيشه.
ـ وهل تستطيع القمة النجاح فى الحصول على تمويل جديد للدول الإفريقية لمعالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن الاحتباس الحراري؟
مع أننى أعتقد أن التمويل سيكون محدودا في قمة شرم الشيخ بسبب الوضع الاقتصادي العالمي المنهار حاليا، لكننى أرى أن هناك اهتماما متزايدا بإفريقيا، ليس بسبب المناخ بل الموجة الجديدة من اللاجئين. الأوروبيون متخوفون لأن دوافع النزوح الحالي اقتصادية، والتطلع إلى فرص أفضل، لكن يعرفون أنه حين تتعاظم آثار تغير المناخ في الدول الإفريقية، وهي الأكثر تأثراً، ستزداد جحافل “لاجئي البيئة” الأفارقة عبر شواطئ إفريقيا الشمالية والبحر المتوسط. ومن هنا فإن أوروبا تفضل أن تساعد الدول الإفريقية في عقر دارها بدلا من قبول ملايين النازحين الجدد في السنوات المقبلة. لذا فمن المنتظر ان تتلقى الدول الإفريقية وعوداً بمساعدات أكبر. ولكن لن يتم الالتزام بنسبة معينة لسنوات طويلة للتعويض عن الخسائر والأضرار التى سببتها الدول الصناعية سابقا، ولن تكون التعهدات في شرم الشيخ بالحجم المطلوب لإحداث التغيير الكبير. فصندوق الخسائر والأضرار مؤجل. لذا على الدول النامية، بما فيها الدول الأفريقية، تحسين أنظمتها ووضع قوانين لاجتذاب استثمارات في القطاع الخاص، خاصة أنها تمتلك إمكانات كبيرة للاستثمار إذا وجدت الأجواء المستقرة.

ـ “البيئة الأفضل تبدأ بك أنت” هذا الشعار المهم، كيف يمكن تطبيقه على الأرض، وما آليات نجاحه؟
كما تعلم هو شعار حبيب على قلبي، فقد أطلقته حين بدأت إصدار مجلة “البيئة والتنمية” عام 1996، والمقصود منه أنه لكي تُغَير العالم عليك أن تبدأ بتغيير نفسك. ولكن هذه هي الخطوة الأولى فقط، التي يجب أن تؤهل الجمهور للضغط على السياسيين وصناع القرار ليتخذوا القرارات الحاسمة ويتبنوا السياسات الملائمة. فالتغيير الكبير لا يحدث بالعمل الشخصي، وإنما من خلال السياسات الكبرى. العمل الشخصي وحده لا يفيد لكنه بلا شك يهذب النفس، ويُحضِّر الناس ويحفزهم ويضغط على المسئولين لتحمل مسئوليتهم.وأنا أرى أن  البيئة يحميها فعلاً القانون الرادع لا جامعو القمامة. فإذا وضعنا قانونا صحيحا ووظفنا شرطيا لفرض تطبيقه بعقوبات رادعة، نصل إلى نتيجة أسرع وأفضل وأقل كلفة من توظيف مائة جامع نفايات لتنظيف فضلات من يلوثون البيئة، إما لعدم وجود قانون يمنعهم، أو عدم وجود شرطي يردعهم ويجبرهم على تنفيذ القانون.

 

رابط دائم: 

#أمين #عام #المنتدى #العربى #للبيئة #والتنمية #نجيب #صعب #لـ #الأهرام #أهم #تحد #يواجه #قمة #شرم #الشيخ #هو #من #يدفع #الثمن #وكيف #يتم #توزيع #الأعباء

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد