الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل… هل ستتدخل الجزائر عسكريا لمحاربة الإرهاب؟

نشرت في: 13/07/2021 – 18:08

هل دقت ساعة التدخل العسكري الجزائري في الخارج؟ سؤال يطرحه المتابعون للشأن الجزائري، في ضوء التعديل الدستوري الذي منح الضوء الأخضر للجيش الجزائري لتنفيذ عمليات في الخارج، وتصريحات الرئيس عبد المجيد تبون حول الحرب في ليبيا ومالي، ولكن بشكل خاص بعد قرار فرنسا إغلاق قواعدها في شمال مالي وإنهاء مهمة برخان في منطقة الساحل ودعوتها إلى إشراك جيوش المنطقة في الحرب على الإرهاب. 

أثار قرار فرنسا في 3 يونيو/حزيران تعليق العمليات العسكرية المشتركة مع الجيش المالي، على خلفية الانقلاب الأخير الذي شهدته الدولة الواقعة في منطقة الساحل في 24 مايو/أيار، المخاوف من تداعيات هذه الخطوة على الحرب على المجموعات الجهادية التي تنشط في هذه المنطقة الجغرافية الشاسعة وخصوصا على الجزائر، صاحبة أحد أكبر الجيوش في أفريقيا عديدا وعتادا، والتي غيرت بموجب التعديل الدستوري الأخير في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 عقيدتها العسكرية بما يتيح لقواتها لأول مرة منذ استقلالها تنفيذ عمليات خارجية.وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة الماضي أن بلاده ماضية في قرار إغلاق قواعدها في شمال مالي خلال أسابيع، ضمن خطة لخفض عديد القوات الفرنسية التي تحارب الجهاديين في منطقة الساحل. وأشار ماكرون إلى أن فرنسا ستشرع بحلول نهاية السنة في سحب قواتها من أقصى شمال مالي لتركز على المناطق الجنوبية. وأعلن عن انتهاء “عملية برخان” بوصفها “عملية خارجية” وتشكيل “تحالف دولي يضم دول المنطقة”.هل فشلت مهمة برخان وماذا بعدها؟بعد أكثر من ثماني سنوات من العمل الحربي المكثف ضد الجهاديين في المنطقة، تنسحب مهمة برخان والتي تعتبر من أهم العمليات الخارجية للجيش الفرنسي بمشاركة ما لا يقل عن 5100 عسكري، فاسحة المجال لعمليات تركز بشكل أكبر على دعم الجيوش المحلية في الحرب على الإرهاب، مع التعويل على دعم تحالف دولي يضم الأوروبيين.وتعليقا على القرار، اعتبر مدير المعهد الجزائري للدراسات الاستراتيجية الشاملة التابع لرئاسة الجمهورية عبد العزيز مجاهد في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أن فرنسا “لم تعد قادرة على إدارة الوضع في مالي”. وأضاف اللواء المتقاعد أن سبب “فشل فرنسا هو كونها ما زالت تحمل أفكار الدولة الاستعمارية القديمة (…) زيادة على أن الأنظمة المحلية فقدت شعبيتها”..من جهة أخرى، أشار مصدر عسكري فرنسي نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية إلى ضرورة “أن نناقش مستقبل تحركاتنا في شمال مالي مع بعثة الأمم المتحدة في مالي ومع الجزائريين، المعنيين مباشرة باعتبارهم دولة جارة”..ومنذ 2012 تتخبط مالي في أزمة أمنية أدت إلى مقتل الآلاف من المدنيين والعسكريين إلى جانب مسلحين من حركات التمرد الانفصالية والجهاديين. ويزيد من تعقيد هذا الوضع طبيعة المناخ القاسي للمنطقة وتضاريسها وبخاصة في الشمال قرب حدود الجزائر.الجزائر.. نهاية سياسة النأي بالنفس؟لطالما امتنعت الجزائر عن الاندفاع نحو أي عمل عسكري في المنطقة الملتهبة من الناحية الأمنية، حيث التهديدات الإرهابية منتشرة على طول حدودها وخصوصا مع ليبيا وتونس ومالي، فاسحة المجال أمام آلتها الدبلوماسية التي تمكنت من إبرام اتفاق السلم والمصالحة في مالي سنة 2015، والموقع بين أطراف النزاع بمشاركة ست مجموعات مسلحة كان أبرزها “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” و”تنسيقية حركات وجبهات المقاومة الوطنية”..وفي هذا الصدد، قال مبروك كاهي أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة لوكالة الأنباء الفرنسية إن التدخل العسكري الجزائري في مالي “غير مرجح” لأن الجزائر “شديدة الحذر دائما عندما يتعلق الأمر بإرسال قوات عسكرية إلى الخارج”. لكنه أشار إلى أن “الدبلوماسية الجزائرية وضعت ثقتها الكاملة في النظام السابق، نظام باه نداو الذي زار الجزائر واستقبله الرئيس تبون وأعطاه وعودا بالمساعدة. لكن الانقلاب الأخير خلط الأمور”..كما نقلت الوكالة الفرنسية عن رضا اليموري الباحث في المعهد الهولندي للعلاقات الدولية قوله إنه “على الرغم من أن الدور الأمني للجزائريين ليس ظاهرا للغاية، فهم حتما على دراية بكل ما يحدث في شمال مالي من أجل أمنهم”. مشيرا إلى دور الروابط العائلية والإثنية بين المجتمعات القاطنة في شمال مالي وجنوب الجزائر، والثقل الاقتصادي والتجاري للجزائر في المنطقة، وإلى اعتماد أسواق تمبكتو وغاو وكيدال على البضائع الجزائرية وتحديدا المواد الغذائية والتموينية. وهو يعتبر أن الجزائر مضطرة بعد كل هذا الوقت إلى تغيير سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل في المنطقة.ما يقوله الدستور الجزائري؟تشير الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية في عددها 82 المؤرخ في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020 المادة 91 من الدستور إلى أن “يقرر (رئيس الجمهورية) إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي (2/3) أعضاء كل غرفة من غرفتي البرلمان”.كما جاء في المادة 31 من نفس الدستور أن “تمتنع الجزائر عن اللجوء إلى الحرب من أجل المساس بالسيادة المشروعة للشعوب الأخرى وحريتها. تبذل الجزائر جهدها لتسوية الخلافات الدولية بالوسائل السلمية. يمكن للجزائر، في إطار احترام مبادئ وأهداف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، أن تشارك في حفظ السلم”.ورغم أن الدستور الجزائري الجديد لسنة 2020 قد منح الضوء الأخضر صراحة للجيش وفوضه لتنفيذ عمليات عسكرية في الخارج، إلا أن الجزائر تؤكد لحد الساعة أنها لم تتدخل عسكريا في أي من دول الجوار، وخصوصا الجارة الشرقية ليبيا، والجنوبية مالي.هل دقت ساعة التدخل العسكري الجزائري؟وفي هذا الشأن، كذبت وزارة الدفاع الجزائرية في فبراير/شباط الماضي، حسب وكالة الأنباء الرسمية، أنباء أفادت بـ”إرسال الجيش قوات للمشاركة في عمليات عسكرية خارج الحدود الوطنية تحت مظلة قوات أجنبية في إطار مجموعة دول الساحل الخمس”. وأكدت الوزارة في نفس السياق على أن “مشاركة الجيش الوطني الشعبي خارج حدود البلاد تقررها إرادة الشعب وفق ما ينص عليه دستور الجمهورية”..لكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عاد ليفتح بنفسه ملف التدخل العسكري لقوات بلاده في الخارج، وذلك خلال مقابلة حصرية مع جريدة لوبوان الفرنسية نشرت في 3 يونيو/حزيران، وقال فيها تبون صراحة إن بلاده “لن تسمح أبدا بأن يصبح شمال مالي ملاذا للإرهابيين ولن تسمح بتقسيم البلاد. لحل المشكلة في شمال مالي، يجب إعادة بسط (سلطات) الدولة هناك”. وأضاف تبون أن “الدستور الجزائري يسمح الآن بهذا النوع من التدخل، غير أن الحل لا يكمن هنا.. من خلال اتفاق الجزائر (اتفاق للسلم والمصالحة في مالي الموقع عام 2015). نحن هنا لمساعدة باماكو، وهو ما نقوم به بالفعل عبر تدريب الجنود الماليين”. واعتبر الرئيس الجزائري أن “قوة مجموعة دول الساحل الخمس (جي5) وقوة (برخان) – الفرنسية” هي حلول جزئية”.وكان الرئيس الجزائري قد كشف خلال حوار مع قناة الجزيرة القطرية في يناير/كانون الثاني الماضي، أن بلاده كانت مستعدة “للتدخل بصفة أو بأخرى” في ليبيا لصد تقدم قوات حفتر نحو طرابلس، معتبرا أن “طرابلس خط أحمر”. وقال ههنا “كنا نقصد أننا لن نقبل بأن تكون طرابلس أول عاصمة مغاربية وأفريقية يحتلها المرتزقة. كنا سنتدخل”. كما قال تبون “كنا سنتدخل بصفة أو بأخرى ولا نبقى مكتوفي الأيدي”، مضيفا ردا على أسئلة صحافي الجزيرة “لما قلنا خط أحمر، حقيقة كان خطا أحمر، فوصلت الرسالة ولم يتم احتلال طرابلس”.وسابقا، كانت دساتير الجزائر تمنع الجيش من تنفيذ عمليات عسكرية خارج حدود البلاد، قبل أن يتم تعديل هذه العقيدة الراسخة والتي لطالما تميزت بها الجزائر، بعد استفتاء جرى في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وشهد نسبة عزوف قياسية، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في التصويت 23.7 بالمئة.فرانس24

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد