الحركة الجهادية التونسية بعد عشر سنوات من العفو عن السجناء

علم جماعة “أنصار الشريعة” الناشطة في تونس وفي الخارج – (أرشيفية)

هارون ي. زيلين* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 19/2/2021
في السنوات العشر منذ الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، مرت الحركة الجهادية في تونس بمراحل مختلفة، وهي الآن في أكبر فترة هدوء منذ الثورة، على الأقل من حيث الهجمات الإرهابية. ولن تتصدر القضايا الأمنية أجندة تونس في سنة 2021، لكن العدد الهائل من المواطنين الذين تم تجنيدهم في صفوف الجهاديين على مدى العقد الماضي يشير إلى أن التداعيات ستظل محسوسة لسنوات مقبلة.* * *في 19 شباط (فبراير) 2011، أعلنت تونس عفواً عاماً عن السجناء بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، ما سمح بعودة 1.200 جهادي إلى الشوارع لتنظيم صفوفهم. ومن هؤلاء نحو 300 عنصر حاربوا سابقاً في أفغانستان والجزائر والعراق والصومال واليمن.وفي السنوات العشر منذ ذلك الحين، مرت الحركة الجهادية في البلاد بمراحل مختلفة، وهي تمر الآن بأكبر فترة هدوء منذ الثورة، على الأقل من حيث الهجمات الإرهابية. ويعكس الوضع الراهن حالة الحركة في حقبة ما قبل الثورة بطرق أخرى أيضاً، إذ يتواجد معظم مقاتليها على جبهات أجنبية، ويتخذ معظم المخططين للهجمات في صفوفها من الغرب مقراً لهم، كما أن أعضاءها مسجونون في دول عدة. أما الفرق الرئيسي الآن فهو أن أعداد المنضمّين إليها أصبح أكبر بكثير. وعلى الرغم من الإنجازات الكبرى التي حققتها الحكومة ضدّ الجهاديين على مدى السنوات الخمس الماضية، إلا أنها ما تزال تواجه تحديات هائلة تتعلق بإصلاح قطاع الأمن والسلطة القضائية ونظام السجون ومشاكل الحوكمة -وقد يقوّض أي من هذه المجالات قدرة البلاد على منع عودة التهديدات الأمنية الخطيرة التي واجهتها من سنة 2011 إلى 2016.التطور منذ الثورةبعد العفو، نفذ الجهاديون الذين أُطلق سراحهم ما كان يخططون له في السجن منذ سنة 2006: إنشاء جماعة جديدة تسمى “أنصار الشريعة في تونس”. وبسبب انعدام شرعية الحكومة الانتقالية في ذلك الوقت، ركزت معظم السلطات على إعداد البلاد للانتخابات، ولذلك كان أمام “أنصار الشريعة” مجال كبير للعمل من دون أن تخضع للكثير من الرقابة. ومنح هذا الواقع أعضاء الجماعة فرصة للتواصل مع الجهاديين في ليبيا والاحتجاج دفاعاً عن حقوق زملائهم من المقاتلين التونسيين في السجون العراقية، في حين استولوا بالقوة على 400 مسجد في جميع أنحاء تونس وبدأوا بمضايقة الفنانين والناشطين والسياسيين العلمانيين.وحظيت جماعة “أنصار الشريعة في تونس” بحرية أكبر للعمل بعد الانتخابات، ما جعل حزب “النهضة” الإسلامي يفوز برئاسة البرلمان الجديد. وقد تعاطف الحزب مع “أنصار الشريعة” نظراً لتجاربه الخاصة مع القمع الذي تعرض له خلال العقود السابقة. كما اعتقد بسذاجة أنه يمكن استمالة هذه الجماعة إلى النظام الديمقراطي الجديد -على الرغم من أن الديمقراطية محرمة في الإيديولوجيا الجهادية. وبالتالي، سُمح لـ”أنصار الشريعة في تونس”بتنظيم أكثر من 900 فعالية بين سنتي 2011 و2013، والتي شملت المحاضرات الدينية ومنتديات الدعوة وتسيير القوافل الخيرية.ومع ذلك، حتى عندما زعمت الجماعة أنها تفضل نهج الدعوة أولاً، شارك أعضاؤها بشكل غير رسمي في أنشطة الحسبة، ودعموا جناحاً عسكرياً سرياً درّب أفراداً في ليبيا. وفي أعقاب الهجوم على السفارة الأميركية في سنة 2012 واغتيال سياسيين يساريين في سنة 2013، بدأ حزب “النهضة” في قمع أنشطة “أنصار الشريعة في تونس”، وسط ضغوط من المعارضة السياسية ومخاوف بشأن مكانة الحزب الخاصة. وبحلول آب (أغسطس) 2013، صنفت الحكومة الجماعة منظمة إرهابية.وكان أحد آثار حملة القمع في الساحة المحلية هو إقدام “أنصار الشريعة” على زيادة تجنيد المقاتلين لإرسالهم إلى الخارج. وفي نهاية المطاف، ذهب ننحو 3 آلاف تونسي تقريباً إلى العراق وسورية، في حين توجه ما يصل إلى 1.500 إلى ليبيا، من بينهم بعض العائدين من سورية. وبانظر إلى الخبرة التي كان قد اكتسبها التونسيون من “أنصار الشريعة” أصبحوا مكوناً أساسياً في “جبهة النصرة” -الفرع السوري لتنظيم القاعدة- ولاحقاً في أجهزة الدعوة والمجالات الإدارية في تنظيم “داعش”. كما ساعد بعض الأعضاء على التخطيط والتوجيه والتدريب لتنفيذ العمليات الخارجية لتنظيم “داعش” في أوروبا وتونس.وبالفعل، شهدت تونس عدة هجمات جهادية واسعة النطاق بدءاً من سنة 2015، بما في ذلك حادثة إطلاق النار في “متحف باردو” في العاصمة التونسية، وعلى شاطئ سوسة، وتفجير حافلة تابعة للحرس الرئاسي، إلى جانب هجمات أصغر حجماً نُفذت بأسلوب المتمردين في الجبال القريبة من الحدود الجزائرية، وخاصة في ولاية القصرين. كما منح وجود تنظيم “داعش” الذي كان يزداد قوة باطراد في ليبيا الجهاديين فرصة أخرى لاختراق الحدود الوطنية كما فعلوا في العراق وسورية. غير أن قوات الأمن التونسية والمقاومة المحلية أحبطت محاولتهم في سنة 2016 للاستيلاء على مدينة بنقردان وربطها بصبراتة وغيرها من المجتمعات على طول الحدود في ليبيا.من نواح كثيرة، شكّل ذلك نقطة تحوّل في القتال. فقد مكّن الأسلوب الذكي الذي طبقته الحكومة في مكافحة التمرد وجهود إنفاذ القانون البلد من إضعاف الحركة الجهادية التونسية تدريجياً، بدءاً باستهداف الخلايا النائمة المحلية لتنظيم القاعدة وتلك المترتبطة بتنظيم “داعش”، وصولاً إلى مواجهة أعمال التمرد الأقل حدّة في الجبال بالقرب من الحدود الجزائرية. ومنذ نيسان (أبريل) 2019، وجدت الحكومة نفسها في موضع الهجوم بدلاً من الدفاع، وحالت بنجاح دون تمكّن الجهاديين من إعادة بناء قدراتهم كما فعلوا بطرق مختلفة من سنة 2011 ولغاية سنة 2016.الوضع في سنة 2020والتوقعات لسنة 2021استمر النشاط الجهادي في الجبال بالقرب من الجزائر في التدهور في سنة 2020، إذ تأكّد مقتل خمسة قياديين إضافيين من تنظيم “داعش” المتطرف، هم: باسم الغنيمي، ومحمد حبيب حاجي، وحافظ رحيمي، وناظم الذيبي، ومحمد ونيس بن محمد الحاج. وعلى الأرجح، ما يزال أكثر من 12 مقاتلاً من تنظيم “داعش” مختبئين في الجبال. وفي المقابل، لم يُقتل أي من قادة “كتيبة عقبة بن نافع”، الفرع التونسي التابع لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” خلال العام الماضي، ما يشير إلى أن حوالي أربعين من أعضائها ما يزالون ناشطين في الجبال. ثم مجدداً لم يعلن هذا الفرع مسؤوليته عن أي هجوم منذ نيسان (أبريل) 2019، ويشير ذلك إلى أن الجماعة هي أصغر من التقديرات السابقة للحكومة، أو أن أعضاءها لم يعودوا قادرين على التواصل مع الشبكة الإعلامية لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في الجزائر.وعلى الرغم من أن مرض فيروس كورونا قد جعل من الصعب معرفة مدى قوة وخطورة التعرض لهجمات من قبل هذه الجماعات وغيرها ذات الصلة، إلا أن مساراتها التي سبقت الوباء تشير إلى أن تراجع عدد الهجمات قد يكون مؤشراً على ضعف أوسع نطاقاً دب في صفوفها. وسيكون من شأن الأشهر المقبلة أن تقدّم صورة أوضح مع تلقّي التونسيين للقاح وعودة الأمور إلى طبيعتها نوعاً ما.ومع ذلك، في الوقت نفسه، ازداد عدد الاعتقالات المتعلقة بالجهاديين، ولم توفر وزارة الداخلية التونسية سوى القليل من الشفافية بشأن التفاصيل الخاصة بهذه الاعتقالات؛ هل هؤلاء مجرمون جدد أم أفراد سبق اعتقالهم لتنفيذهم أنشطة جهادية؟على أيّ حال، تراجع عدد القضايا التي أحيلت إلى المحكمة -والتي شملت في بعض الأحيان أفرادا عدة- من جديد. ويعزى السبب على الأرجح إلى الوباء، لكن ذلك قد يكون نابعاً أيضاً من التدهور المقلق للمؤسسات التي يعتقد الكثير من التونسيين أنه مستمر منذ سنوات عدة، بدءاً من تقلّص سيادة القانون إلى توقف التقدّم المحرز خلال الفترة التي أعقبت الثورة مباشرة. وما إن ينحسر الجزء الأسوأ من وباء كورونا، سيكون على واشنطن حث وزارة العدل التونسية على إحالة القضايا إلى المحكمة بشكل أسرع، ما قد يساعد على استعادة الثقة بسيادة القانون، وتقديم المزيد من الجهاديين إلى العدالة، وضمان عدم إثقال كاهل النظام.وثمة مصدر قلق آخر بشأن هذا السجل القضائي، ينبع من التقرير الصادر في آذار (مارس) 2020 عن “المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب” والذي وثّق انتهاكات متواصلة لحقوق الإنسان في مراكز الاحتجاز التونسية. وهنا أيضاً، على وزارة الخارجية الأميركية التدخل، وحثّ البلد على وقف مثل هذه الممارسات نظراً لتأثيرها السلبي على شرعية الحكومة محلياً وفي الخارج.أما بالنسبة للتحدي المتمثل في إعادة المواطنين التونسيين المرتبطين بتنظيم “داعش” وعائلاتهم إلى بلادهم، فلم يتمّ إحراز الكثير من التقدّم باستثناء عودة 6 أطفال كانوا محتجزين في ليبيا. وما يزال هناك نحو 50 طفلاً إضافياً في ليبيا و200 طفل في سورية، علماً بأن معظمهم وُلد في الخارج. ومع ذلك، فإن عدد التونسيين الراشدين المحتجزين في هذين البلدين غير معروف.من غير المرجح أن تحتل القضايا الأمنية الأولوية ضمن أجندة تونس في سنة 2021 بالنظر إلى القضايا الأخرى التي تشغل الدولة، بدءاً من التداعيات الاقتصادية للوباء، مروراً بعدم الاستقرار المستمر في البرلمان، وصولاً إلى الخلاف مع الرئيس قيس سعيد. ومع ذلك، حتى عندما أصبح تذليل المشاكل الأمنية الفورية أسهل في السنوات الأخيرة، فإن العدد الهائل من التونسيين المجندين في صفوف الجهاديين على مدى العقد الماضي يشير إلى أن تداعيات ذلك ستستمر لسنوات أخرى، إذ يقضي الأفراد عقوباتهم بالسجن، أو يعيدون تنظيم صفوفهم في خارج البلاد، أو يخططون لشن هجمات محلياً. ولهذا السبب، يُعد تنفيذ الإصلاحات المذكورة أعلاه أساسياً عاجلاً وليس آجلاً. وقد دفعت مشاكل الحوكمة السابقة العديد من التونسيين للانضمام إلى مشاريع بناء الدولة التي قدمتها كل من “أنصار الشريعة في تونس” وتنظيم “داعش”، ومن شأن الهفوات المستمرة أن تمنح الحركة الجهادية محفزاً في المستقبل -بغض النظر عن مدى إضعافها في الآونة الأخيرة.
*زميل “ريتشارد بورو” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى حيث يتركز بحثه على الجماعات الجهادية العربية السنية في شمال أفريقيا وسورية، وعلى نزعة المقاتلين الأجانب والجهادية الإكترونية عبر الإنترنت.

مقالات ذات صلة

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد