السحر المغربي

لم تعرف بطولات كأس العالم السابقة مفاجآت توازي ما حدث في مباريات مونديال 2022، بدرجة “جلطت” ملايين المراهنين الذين خسروا أموالهم، بسبب سقوط المنتخبات الكبيرة بطريقة لا يمكن التنبؤ بها، وكانت النتائج غير المتوقعة بدأت بخسارة الأرجنتين أمام السعودية، قبل أن تأخذ اليابان عتاولة ألمانيا وإسبانيا خلال أسبوع واحد، ثم زادت تونس مصائب المراهنين حين فازت على فرنسا، وجاءت بعدها الكاميرون لتسقط البرازيل في أسبوع عاصف لم يجد له الشارع العربي تفسيرًا، إلا أن هذه المنتخبات استخدمت السحر الأسود بحسب قول أحدهم.!
ولم يجد بعض العرب نوعًا جديدًا من السحر لتفسير سلسلة انتصارات المنتخب المغربي، إلا السحر الأسود “المطفي” على طريقة ألوان السيارات الجديدة، خاصة أن هؤلاء لا يؤمنون إلا بالتفسيرات التي تتعلق بالقوة الخفية وقدرتها على علاج المريض وجلب الحبيب وتحقيق الانتصارات، باستثناء ما يتعلق بمعارك الجيوش العربية لتحرير القدس.
والحقيقة أن منتخب المغرب نثر سحره في ملاعب الدوحة، من خلال أداء لافت للاعبيه وإتقانهم اللعب بمستوى ثابت طوال المباريات، في مشهد لم يعتد عليه الشارع العربي الذي عاش عقودًا من الزمن تحت رحمة اللاعب المزاجي وما تجود به نفسه خلال المنافسات، ولم يعتد أنصار كرة القدم من الخليج إلى المحيط على متابعة منتخب قبل المغرب يملك القدرة على الأداء دون كلل أو ملل، على طريقة الألمان والفرنسيين والبلدان التي تهتم بالانضباط والإتقان في أنديتها ومنتخباتها.
لن يكون من السهل مجاراة المغرب مستقبلًا بسبب انسجام لاعبيه مع قواعد الاحتراف في الأندية الأوروبية، واكتساب أكثرهم خبرة في “مهنة” لاعب كرة القدم، بما تتطلبه من التزام سلوكي وصحي في الحياة اليومية، وفي حال رغبت البلدان العربية في السير على خطى المغرب فعليها أن تراجع طريقة متابعة اللاعبين في الأندية، فضلًا عن إعادة برمجة الموسم المحلي بما يضمن عدم التعرض للإرهاق والإصابات، خاصة أن قدرًا كبيرًا من مزاجية اللاعب العربي سببها الملل وكثرة المشاركات.
لم يكن من الصعب على المنتخب السعودي أن يلفت الأنظار في المونديال مثل نظيره المغربي ولو ببلوغ الدور الثاني، غير أن الإرهاق وكثرة الإصابات كانا حاجزًا أمام تقديم مباراة توازي الفوز على الأرجنتين، ما يجعل اتحاد كرة القدم بحاجة إلى مراجعة برنامج بطولاته المرهق والحد من مشاركة الأندية والمنتخبات في المناسبات الإقليمية.