تجميد البرلمان حتى 2022 واستفتاء دستوري.. سعيّد يعلن قرارات جديدة

لا يتوانى الرئيس التونسي قيس سعيد عن استخدام تعبيراته بشأن محاربة الفساد والفاسدين، الذين نهبوا الدولة، في كل مناسبة يظهر فيها منذ قرر، في 25 يوليو الماضي، حل البرلمان، وإقالة الحكومة، وتوليه السلطات الثلاث، متعهدا بالقضاء على الفساد المنهجي الذي يقول إنه يعرقل الإصلاح الاقتصادي.

ويدافع سعيد، منذ ذلك الحين، عن توليه كل السلطات، كسبيل وحيد لإنهاء الشلل الحكومي بعد سنوات من الخلاف السياسي والركود الاقتصادي وتفشي الفساد، ووعد بدعم الحقوق والحريات التي تم تحقيقها في ثورة 2011.

لكن مع مرور 5 أشهر تقريبا منذ إعلان الرئيس بدء حملته لمكافحة الفساد، والفاسدين، فإن “معركة الرئيس في محاربة الفساد، حتى الآن، تمس أطرافا هامشية على مستوى الدورة الاقتصادية”، بحسب المحلل السياسي التونسي، صلاح الدين الجورشي، في حديثه مع موقع “الحرة”. 

ويقول الناشط المدني، سعد بن لعمار، لموقع “الحرة”: “سمعنا كلاما كثيرا من الرئيس ولم نر أي وثائق، كما لم نر أشخاصا تم معاقبتهم بسبب الفساد فعلا، حتى الآن”. 

ويشير الجورشي إلى أن “الحرب على الفساد لابد أن تستهدف مراجعة القوانين، وكذلك الاقتراب مما يسميه البعض بالحيتان الكبيرة، التي يمكن أن تكون مؤثرة في المجال الذي يتحرك فيه الفساد الاقتصادي”.

وفي نوفمبر الماضي، قالت رئاسة الجمهورية إنه تقرر إنهاء تكليف محافظين، دون إعطاء أي تفاصيل، ليخرج المتحدث باسم محكمة سيدي بوزيد، بعدها بساعات، ليقول إن النيابة العامة أمرت بالقبض علي محافظي ولايتي سيدي بوزيد وقبلي للاشتباه في “فساد مالي واستغلال المسؤولين العموميين للسلطة الرسمية”.

لكن بن لعمار يقول إن هذا لا يعتبر قضية فساد مالي، وإنما إداري، لأنها كانت حول تزوير شهادات عليا لمعلمين تم تعيينهم، وجاءت القضية بناء على بلاغ مواطن عادي. 

ويضيف: “نحن نحكي عن الفساد المالي، سواء من رجال الأعمال والبنوك والوزارات ومؤسسات كبرى وأحزاب، لم نر أي من هؤلاء تم إيقافهم بناء على وثائق، مثل الأموال المنهوبة والمرسلة للخارج، والسوق الموازية”. 

والشهر الماضي تم اعتقال وزير الزراعة السابق، وسبعة مسؤولين سابقين آخرين، للاشتباه في فسادهم.

ويقول الجورشي إن “التقارير التي تصدرها منظمات خاصة في مكافحة الفساد تبين أن الظاهرة لم تتقلص، لأن بعض الأطراف المتورطة في الفسادأضحت أكثر حذرا، وتحاول أن تتجنب التسرع في اتجاه كشف بعض آلياتها”. 

وأضاف أن “آليات الفساد بدأت تتغير وفق المرحلة الجديدة، وفي ضوء الحملة، لكن الفساد كظاهرة وإضعاف الاقتصاد التونسي لا يزالا مستفحلين وبشكل مؤكد”. 

ويواجه اقتصاد البلاد صعوبات منذ 2011، ولم يتجاوز معدّل النمو الاقتصادي 0.6% خلال السنوات العشر الأخيرة. كما ارتفعت نسبة التضخم إلى 6%، وزادت أزمة جائحة كورونا من تفاقم الوضع في البلاد.

ووفقا لأرقام البنك المركزي بلغ احتياطي النقد الأجنبي 7 مليارات دولار، أو ما يعادل 119 يوما من الواردات.

ويقول الجورشي: “مع أهمية ما يقوم الرئيس، لكن ذلك حتى الآن لم يؤثر على النمو ولا على الحالة الاقتصادية في البلد”. 

ويوضح أن “الاقتصاد يسوء ليس فقط بسبب الفساد، لأن هناك أزمة تمويلات، وهناك تخوف من أن البلد لم تعد دولة قانون، ولذلك العديد من المؤسسات لا تفكر حاليا في الاستثمار في تونس، كما أن هناك مستثمرين أوقفوا أعمالهم في البلد، وآخرون هاجروا للاستثمار في بلاد أخرى، بما في ذلك المغرب. 

“في مصلحة الفاسدين”

وعلقت السلطات التونسية عمل هيئة مكافحة الفساد وإقالة الكاتب العام للهيئة، أنور بن حسن من منصبه. 

ويرى الجورشي في حديثه لموقع “الحرة”، أن تعطيل عمل هيئة مكافحة الفساد، أضر كثيرا بمعركة الرئيس في هذا المجال. 

وقال: “هذه المؤسسة التي تم تعطيلها وتم منع نشاطها والتي لديها رصيد مهم من الوثائق كما أنها تقدمت بالفعل بالكثير من الملفات للمحاكم، كما اقترحت بعض الآليات التي يمكن أن تساعد على مواجهة هذه الظاهرة، ولهذا أرى أنه رئيس الجمهورية لم يستفد حين قرر تعطيلها، دون أن يعوضها بهيئة أخرى”. 

بينما يقول بن لعمار، أنه “كان على الرئيس أن يتبنى قضاياها وأن يحلها، ما فعله لا يندرج في رأيي تحت بند محاربة الفساد، بل هو في مصلحة الفاسدين أنفسهم لأننا لم نسمع عن متابعة قضاياهم التي أثارتها الهيئة التي كانت تقوم بعمل جيد وجبار في رأيي”. 

وتم إنشاء الهيئة عام 2011، خلفا للجنة تقصي الحقائق عن الفساد والرشوة التي أنشئت مباشرة بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.

محاربة الفاسدين وليس المؤسسات

وبينما يوافق بن لعمار على حملة الرئيس في مكافحة الفساد، فإنه يقول إنه يجب أن تكون الحملة ضد الفاسدين في المؤسسات المختلفة، وليس من خلال تعطيل الدولة بأكملها”. 

ويوضح “أوافق على إحالة البرلمانيين الفاسدين إلى القضاء، ولست مع تعطيل عمل البرلمان وحله بأكمله، ولست مع تعطيل هيئة مكافحة الفساد، إذا كان هناك أشخاص فاسدون فيها تتم محاكمتهم، وكذلك في المجلس الأعلى للقضاة، لأنه ليس كل القضاة فاسدين بالطبع، يجب معاقبة الشخص الفاسد وأن تترك المؤسسة تعمل”. 

“استراتيجية وطنية جديدة”

ويرى رئيس المركز العالمي لمحاربة الفساد، كمال العيادي، أنه بناء على دراسة قام بها، فإنه 68 في المئة من آراء 200 خبير يرون أن “الاستراتيجية الوطنية في مكافحة الفساد لا تقود البلاد إلى الاتجاه الصحيح”. 

وقال العيادي، في تصريحات نقلتها وكالة تونس أفريقيا للأنباء، الرسمية، إن ” 71 في المئة من الخبراء يقولون إن الآثار الجانبية السلبية لهذه الاستراتيجية يفوق الإيجابيات”.

وأضاف أن الإدراك الجماعي للفساد يفوق ثلاثة مرات أضعاف حجمه الحقيقي، وهو ما خلق مناخ انعدام الثقة في الاقتصاد التونسي، مشيرا إلى أن “التوظيف السياسي أيضا للظاهرة يكون على حساب تونس وصورتها. علينا ألا نجمل الحقيقة ولكن نعطي الحقيقة كاملة ولا نأخذ الجزء السلبي فقط”. 

وخفضت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” درجة تونس، مع آفاق سلبية، في هذا البلد الذي يمر بأزمة اقتصادية عمّقها الوباء وتواصل غياب الاستقرار السياسي.

وتراجع تصنيف تونس من “بي3” إلى “سي ايه ايه1” مما يعني أن الثقة الممنوحة للمالية التونسية قد تقلصت.

في المقابل يقول الجروشي: إنه “من المؤكد أن هناك فساد مستفحل لكن التصور الحالي لمواجهته قاصر ولا يملك الوسائل، ولا الآليات القادرة على فتح ملفات كبرى، يقال إنها يمكن أن تؤدي إلى إبراز كمية هذا الفساد”. 

ويضيف “تنقص هذه المعركة التي يخوضها الرئيس العديد من الإمكانات مثل خطة استراتيجة متكاملة تشارك فيها أطراف أخرى في البلاد، وكذلك مراجعة القوانين والتشريعات التي تستفيد منها شبكات المصالح بأشكال متعددة، كما يجب على المجتمع المدني أن يقف بكل قوته وثقله لدعم هذه المعركة، بعد أن يتم توضيح أهداف هذه الاستراتيجية وخططها”. 

وقال العيادي “يجب أن يكون هناك مزيد من التشريع والتقنين لمكافحة الفساد”، مقترحا أن يكون هناك “مؤشر وطني يقوم على جملة من المعطيات التجريبية، ويصبح له السلطة والشرعية لإدارة الرأي العام في مكافحة الفساد”. 

#تجميد #البرلمان #حتى #واستفتاء #دستوري #سعيد #يعلن #قرارات #جديدة

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد