- الإعلانات -

- الإعلانات -

تفقير الشعب وتجويعه يدفع للاحتجاج أمام “بيت مال التونسيين”

 مروى الدريدي- فاجأ الشباب المحتج أمس السبت 23 جانفي 2021، الجميع بتنظيمهم وقفة احتجاجية أمام البنك المركزي، في سابقة هي الأولى من نوعها في تونس، فلم يسبق أن تم تنظيم وقفة احتجاجية شعبية أمام أكبر مؤسسة مالية في البلاد، وتحمل هذه الوقفة دلالات رمزية ورسالة واضحة العنوان، بأن “بيت مال التونسيين فشل في إدارة سياسة نقدية عادلة في البلاد”.   والبنك المركزي التونسي هو مؤسسة مالية مركزية يتمتع بالاستقلالية التامة، مكلف بإصدار النقد والإشراف على القطاع البنكي، كما يقوم بإدارة احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي وإدارة السياسة النقدية.   يقوم البنك أيضا بإصدار تقارير يقيّم من خلالها الوضع الاقتصادي العام ويقوم بإقتراح الإجراءات الممكن إتخاذها لتحسينه، إذن فهو المسؤول المالي الأوّل في البلاد وواضع السياسات الاقتصادية الكفيلة بإصلاح الأوضاع.   فقر وبطالة والبنوك تتنكر لأصحاب القروض   وبالنظر إلى دور البنك المركزي وأهميته والاستقلالية التامة التي يتمتع بها، لم يلمس التونسيون على أرض الواقع اجراءات من شأنها أن تُغير من واقعهم نحو الأفضل، هذا الواقع الغارق في المزيد من الفقر والبطالة وتدني الأجور في مقابل ارتفاع تكاليف العيش، وما الوقفة الاحتجاجية أمام البنك المركزي إلا دليل عن أن اجراءاته  تخدم أصحاب رؤوس الأموال ولا تخدم السواد الأعظم منهم، ومن ذلك يأتي الشعار الذي رفعه المحتجون “يسقط يسقط رأس المال”.   فالبنوك التونسية العمومية والخاصة والتي هي تحت اشراف البنك المركزي، وظّفت فوائض اضافية مُجحفة على أقساط القروض التي تم تأجيل سدادها بمقتضى الاجراءات الحكومية جرّاء وباء كوفيد -19، وفقا لمرصد “رقابة”، الذي رفع شكاية إلى مجلس المنافسة بشأن “تشكل وفاق مخالف للقانون بين البنوك”، فلماذا سكت البنك المركزي عن هذا الخرق؟ والحال أن هذه الفوائض من شأنها أن تزيد من تفقير من اضطرتهم الظروف الصعبة للاقتراض من البنوك.   وأفاد المرصد انه توصل إلى معلومات موثقة تفيد بأن البنوك اتفقت على تحميل أعباء عملية سداد القروض إلى الحرفاء بشكل يتنافى مع مناشير البنك المركزي التونسي والاجراءات التي أقرتها الحكومة وتعهّدت بها.   من جانبها توقعت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، في تقرير لها أن يشهد الاقتصاد الوطني انكماشا حادا بنسبة 3.8 %، في عام 2020، كما سلط التقرير الضوء على إشكالية البطالة والفقر ودور الجائحة في تعميقهما، حيث سترتفع نسبة الفقر في تونس من 12.7 % خلال 2019 إلى 15.4 % في 2020 على أن تشهد تراجعا طفيفا لتصل إلى 15.1 في 2021.   ومؤخرا كشفت دراسة وطنية أنجزتها منظمة التعليم من أجل التوظيف والمعهد العربي لرؤساء المؤسسات وبدعم من مؤسسة “دروسوس” تحت عنوان “التشغيل وريادة الأعمال زمن الكورونا.. التأثير والآثار”، أن 15 بالمائة من المؤسسات الاقتصادية المستجوبة خفضت من عدد موظفيها جراء تداعيات أزمة كوفيد 19، وهو ما زاد عن عدد العاطلين عن العمل، والباحثين عن شغل.   كل هذه المؤشرات تُحيل على تأزّم واقع التونسيين الذي قد ينبؤ بانفجار قريب، وما الوقفة الاحتجاجية يوم أمس أمام البنك المركزي خير دليل على ذلك، وأن بوصلة المحتجين تحوّلت من الشوارع إلى المقرات التي يتحكم أصحاب القرار فيها بمالهم وقوتهم اليومي.   دلالات ورمزية الوقفة الاحتجاجية أمام البنك المركزي وعن دلالات ورمزية الوقفة الاحتجاجية أمام البنك المركزي، أفاد الخبير في الاتصال السياسي والمحلل الأستاذ صلاح الدين الدريدي، بأن المحتجين استهدفوا أوّلا رموز النظام القائم برمته من رئيس الحكومة إلى رئيس البرلمان، والوزراء والنواب ورجال الأعمال، الذين يعتبرون عناوينا للوصولية الاجتماعية، وأن لهم المال والرفاهية ويعالجون إذا مرضوا في المستشفى العسكري، في مقابل الخصاصة والحرمان والفقر والتفقير المتواصل للطبقات الوسطى والفقيرة.    وقال صلاح الدين الدريدي: “ربّما ذهب إلى مخيال المحتجين بأن البنك المركزي هو بيت مال التونسيين”، لكنه يبقى رمزا للمال والسلطة في أوجهها القبيحة والمتنطّعة، وهذه صورة ارتبطت بعشرية الثورة وتحديدا منذ تولي الشاذلي العياري مسؤولية تسييره، مشيرا إلى أن الثورة منذ انطلاقها كانت ثورة جياع وأن ما يحصل اليوم هو فصل جديد من فصول الفقر والتفقير والجوع والتجويع.    ولاحظ الدريدي تكوّن مخيال لدى المحتجين بتغول من هم في السلطة وعجزهم عن مباشرة الوضع العام، وتكدس الثروة لدى بعض العائلات و”الكناطرية”، وجميعهم في أبراجهم العاجية وغير مبالين إن كان الشعب يعاني أم لا، كما لا حظ أيضا أن هذه الاحتجاجات جمعت القومي والشيوعي والمستقل لأن الفقر يجمعهم.   ومن الدلالات الأخرى أيضا للاحتجاج أمام البنك المركزي هو اقترانه بالرواتب الخيالية للمحافظ وأعضاء مجلس الادارة، وفقا لصلاح الدين الدريدي، الذي ذكّر بأن أعضاء مجلس الادارة إذا حضروا جلسات في البرلمان يُجازون بألف دينار عن كل جلسة علاوة عن رواتبهم والامتيازات التي يتمتعون بها، فكيف إذن يطالبون الشعب بالصبر على الفقر والجوع؟.   وخلص إلى أن هذه الوقفة الاحتجاجية تعتبر سابقة في تاريخ تونس وهي أهم تعبيرة وجاءت نتيجة للفقر والتفقير، مشددا على أن معالجة الاحتجاجات الشعبية لا تتم أمنيا مثلما فعل المشيشي أو سياسيّا مثلما يفعل قياديو اليسار بل تتم اجتماعيّا.  
المصدر

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد