تونس أمام خيارات صعبة لضبط اختلال التوازن المالي |

تونس – تتضاءل هوامش تحرك تونس يوما بعد يوم لمعالجة الاختلال في التوازنات المالية مع صعوبة الخروج للأسواق العالمية الخارجية بحثا عن الاقتراض، وفتور المفاوضات مع صندوق النقد الدولي خلال الفترة الماضية.

وترى أوساط اقتصادية تونسية أنه بفعل تلك الوضعية لم يبق أمام الحكومة سوى التوجه إلى الاقتراض الداخلي لسد عجز موازنة 2021، رغم أنه يبدو أمرا صعبا.

وبينما يعتقد خبراء أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد الصيف الماضي قد تبدو مجدية لتحقيق ما عجزت عنه حكومتان تولتا السلطة منذ توليه الحكم في أواخر 2019، يرى آخرون أنها لن تكون مجدية ما لم تكن مقترنة برؤية واضحة يمكن تجسيدها فعليا لمعالجة الوضع المالي.

وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي قال الأسبوع الماضي إن بلاده تتوقع اتفاقا مع صندوق النقد في الربع الأول من 2022 للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار، وأن لديها القدرة على سداد ديونها، وهو ما أكدته رئيسة الحكومة نجلاء بودن بعد ذلك.

وبحسب البيانات الرسمية، ارتفع حجم الاقتراض الداخلي من 5.5 مليار دينار (1.9 مليار دولار) في الموازنة الأصلية إلى 2.8 مليار دولار في الموازنة التكميلية.

رضا الشكندالي: مخاطر الموازنة التكميلية كثيرة وكلفتها الاجتماعية كبيرة

في المقابل، خفضت الحكومة في قانون المالية التكميلي من موارد الاقتراض الخارجي من 4.5 مليار دولار إلى 4.2 مليار دولار.

وتحتاج تونس إلى سيولة نقدية لسد عجز ما تبقى من الموازنة الحالية، والذي يتم عادة عبر الاقتراض من الأسواق العالمية، لكن حتى الآن لا يوجد ما يوحي بأنها ستتمكن من ذلك.

ويرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي أن “الموازنة التكميلية فيها الكثير من المخاطرة ويمكن أن تكون لها كلفة اجتماعية كبيرة”.

واعتبر الشكندالي في تصريحات لوكالة الأناضول، أنه “من الصعب تعبئة الموارد المرصودة في الموازنة التكميلية لعام 2021”.

وأضاف “الموازنة التكميلية سجلت ارتفاعا للنفقات بنحو 4 مليارات دينار (1.37 مليار دولار) مقارنة بالموازنة الأصلية، كما ارتفعت الموارد الذاتية بنحو 1.3 مليار دينار (448.2 مليون دولار)، أي أن هناك عجزا إضافيا بقيمة 2.7 مليار دينار (931 مليون دولار)”.

وفي ظل ركود الاقتصاد حتى مع تخفيف قيود الإغلاق، اضطرت الحكومة إلى رفع تقديرات عجز الموازنة لتبلغ 8.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالموازنة التكميلية مقارنة بنحو 6.6 في المئة تم إقراره بقانون المالية الأصلي و9.6 في المئة مسجل عام 2020.

ويؤكد الشكندالي أن ارتفاع النفقات نتج أساسا عن ارتفاع مبلغ دعم المحروقات بنحو مليار دولار ونفقات التسيير بواقع 103.4 مليون دولار.

وأوضح أنه “مع استحالة الخروج إلى السوق المالية العالمية، لتوقف أغلب قروض دعم الموازنة بما يقارب 689.6 مليون دولار بعد التدابير الاستثنائية وتراجع التصنيف السيادي لتونس، أدى ذلك إلى إحداث ثغرة مالية بقيمة 2.93 مليار دولار”.

وتتخوف الأوساط الاقتصادية من أن الزيادة في حجم الاقتراض الداخلي بواقع 862 مليون دولار يمكن أن تكون له تداعيات تضخمية، ويطرح عديد التساؤلات على قدرة الحكومة على تعبئة هذه الموارد.

وتشير بيانات مركز الإحصاء التونسي إلى أن معدل التضخم ارتفع خلال أكتوبر الماضي إلى 6.3 في المئة بعدما كان يحوم في بداية هذا العام عند نحو 4.8 في المئة.

وخفضت الحكومة توقعاتها للنمو الاقتصادي لهذا العام إلى 2.6 في المئة في قانون المالية التكميلي من أربعة في المئة في قانون المالية الأصلي.

ويوضح الشكندالي أنه ليس من السهل الحصول على المبلغ، مما يدفع نحو اللجوء إلى الاقتراض من المركزي وفي هذه الحالة “لا نبعد كثيرا عن التجربة اللبنانية”، في إشارة إلى احتمالية ارتفاع معروض النقد المحلي في الأسواق وأثره على قوة العملة المحلية.

ويعتقد أن الحل مع الجارين أفضل حلّ، عبر ربط العلاقات مع الجزائر خاصة الآن وهي في وضعية جيدة بعد ارتفاع أسعار النفط، ويمكن أيضا اللجوء إلى ليبيا.

ولكنه استدرك بالقول إن “الحل المفصلي هو سياسي بالأساس ولا بد من الإعلان عن انتهاء الفترة الاستثنائية”.

عبدالجليل البدوي: ليس أمام الحكومة اليوم سوى الاقتراض من البنوك المحلية

والمخيف وسط هذا كله، هو المنحنى التصاعدي للدين العام الذي من المتوقع أن يبلغ في نهاية هذا العام ما يقارب 35 مليار دولار، وهو يمثل أكثر من 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مقارنة مع نحو 30 مليار دولار تم تسجيلها بنهاية العام الماضي.

ووفق بيانات وزارة المالية، تتوزع تلك الديون بين 13.7 مليار دولار كقروض داخلية ونحو 21.5 مليار دولار كقروض خارجية.

ويرى البعض أن ليس أمام السلطات سوى اللجوء إلى الاقتراض من البنوك، لتعبئة الموارد لأن الحكومات المتعاقبة، فشلت في تعبئة الموارد الداخلية في السنوات العشر الأخيرة، في المقابل سارعت إلى اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد.

ويقول الخبير عبدالجليل البدوي إنه كان يفترض أن تعمل الحكومات على استعادة نحو 4.34 مليار دولار من المتهربين ضريبيا وخاصة رجال الأعمال، ولكن كلها استسهلت الاقتراض الخارجي.

وأوضح أنه كان عليها أيضا وضع خطة لدمج اقتصاد الظل ودفعه للمساهمة في تعبئة التمويلات من بوابة الجباية، بعد أن استفاد من سوء الحوكمة خلال العشرية الأخيرة.

وأضاف البدوي إن “الأزمة المالية هي نتيجة التخاذل في اتخاذ القرارات السليمة وليس أمام الحكومة سوى التوجه إلى الاقتراض من البنوك”.

ولكن يبقى تفعيل هذا الخيار بيد المركزي الذي رفض في السابق تمويل العجز بتعلة أنه سيضغط على الاحتياطات النقدية، والتي تظهر الأرقام الرسمية أنها تتجاوز قليلا السبعة مليارات دولار، كما أنه سيضعف قيمة الدينار.

#تونس #أمام #خيارات #صعبة #لضبط #اختلال #التوازن #المالي

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد