“عودة مخيفة للقمع السوفيتي”.. كيف تلاحق روسيا “شهود يهوه”؟

في شقة مهندمة في إحدى ضواحي موسكو، جلست مجموعة صغيرة من الناس في حلقة دائرية حول طاولة، في ديسمبر 2019. وجانبا كانت هناك أوان من الحلوى وأباريق الشاي.

افتتحت المجموعة، الاجتماع بصلاة وترنيمة، يرجون ربهم في أدب وخجل، يرفعون أصواتهم قليلا فوق بعض الموسيقى في الخلفية التي تم تشغيلها على تلفزيون يظهر فيه واعظ يرتدي بدلة، بحسب تقرير لشبكة “أيه بي سي” الأميركية. 

كان الأشخاص الحاضرون من “شهود يهوه”، وهي طائفة دينية مسيحية تأسست لأول مرة في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، ولكن لديها الآن ما يقدر بنحو ثمانية ملايين تابع حول العالم.

في العديد من البلدان، هذه الاجتماعات شيء عادي، لكن في روسيا، تصنفها على أنها اجتماعات لمتطرفين، وتعامل الحاضرين فيها كأنهم “مجرمون خطرون”.  

“التلفت بحثا عن الشرطة”

هذا يعني أن هذه الاجتماعات أصبحت تتم في السر، ويتوجب على الحاضرين فيها، التلفت في الشارع حولهم أثناء ذهابهم لمكان الاجتماع بحثا عن الشرطة التي تتعقبهم، حيث قد يواجهون سنوات في السجن، إذا تم القبض عليهم. 

وطائفة “شهود يهوه” هي جماعة مسيحية ذات معتقدات لاثالوثية لا تعترف بالطوائف المسيحية الأخرى، ويفضلون أن يُدعوا بـ “شهود يهوه” تمييزًا لهم عن الطوائف المسيحية الأخرى.

وظهرت هذه الطائفة في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر في ولاية بنسلفانيا الأميركية على يد “تشارلز تاز راسل”.

ونشأ الشهود عن مجموعة صغيرة لدراسة الكتاب المقدس وكبرت هذه المجموعة فيما بعد لتصبح “تلاميذ الكتاب المقدس”، يتميز الشهود بروابطهم المتينة دون أية حواجز عرقية أو قومية، ووعظهم التبشيري الدؤوب.

ولا يخدم الشهود في الجيش وهم محايدون سياسيا إذ لا يتدخلون بأي شكل من الأشكال في السياسة، إلا أن روسيا تقيد حركتهم ولا تتيح لهم العيش في سلام كما يكرر ذلك المنتمون لهذا التيار الديني، وفقا لتقرير الشبكة الأميركية.

لم يكن الحال سابقا كما الآن، فمنذ أن تم حظر الجماعة في البلاد عام 2017. وحظرت المحكمة العليا الروسية في نفس العام، هذا الدين واعتباره “متطرفا”، أصبح تابعو هذه الديانة يعيشون في خوف. 

يُقدَّر عدد المنتسبين في روسيا لهذه الديانة أو الجماعة، بنحو 175 ألف شخص وتعتبرهم السلطات أعضاء في منظمات إرهابية خطيرة. 

ويتعرض المئات من متديني هذه الجماعة لمداهمات واعتقالات من قبل قوات الأمن الروسية، وفي بعض الأماكن، تعرضوا للتعذيب. 

تقول “إيه بي سي”: إن “الاضطهاد المتجدد لشهود يهوه، المحظور في ظل الاتحاد السوفياتي والمصرح به في السنوات الليبرالية التي أعقبت انهياره، يُنظر على أنه عودة مخيفة للقمع السوفيتي الذي كان يُعتقد أنه قد ولى”. 

وقالت المديرة المساعدة لأوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش، تانيا لوكشينا للشبكة: “نحن نتحدث عن مجموعة من الأشخاص الذين يمارسون دينهم بشكل سلمي، ولا يقومون بأي أعمال عنف، ولا يتدخلون في النظام العام، لكنهم يعاملون كمجرمين خطرين”.

“يذكرني بمحاكم التفتيش”

وتم حظر “شهود يهوه” بموجب قانون مكافحة التطرف، والذي كان مخصصًا اسميًا للمنظمات الخطيرة والعنيفة. وهذا يعني أن الجماعة المسالمة، التي ليس لها تاريخ من العنف وتحظر التورط في السياسة، وُضعت إلى جانب منظمات إرهابية مثل “داعش” أو طائفة :أوم شينريكيو” اليابانية ، التي شنت هجومًا بغاز الأعصاب على مترو أنفاق طوكيو في عام 1995.

يمكن أن يُحكم على الأشخاص المتهمين بالمشاركة في “شهود يهوه” بالسجن لمدة تصل إلى ست سنوات، ويمكن أن يواجه المنظمون ما يصل إلى عشر سنوات. في كثير من الحالات، كان مجرد الصلاة في مجموعة كافياً للشرطة لتوجيه اتهامات ضد شخص ما.

ومنذ عام 2017، نفذت الشرطة مئات المداهمات على منازل “شهود يهوه”، وأماكن الاجتماع في جميع أنحاء روسيا، وفقًا للجماعة الدينية وكذلك جماعات حقوق الإنسان. وتم اتهام أكثر من 500 من أتباعها بموجب قانون التطرف، وسُجن العشرات بالفعل بأحكام تصل إلى ثماني سنوات.

والعشرات من المتهمين من كبار السن، وبعضهم يبلغ من العمر 89 عاما. 

قال إفغيني كاندوروف، الصحفي وعضو في جماعة “شهود يهوه” الذي اقتحم منزله في وقت سابق من هذا العام، في تصريح للشبكة الأميركية: “هذا يذكرني بمحاكم التفتيش”.

وكانت محاكم التفتيش التي منحها البابا غريغوري التاسع، تملك سلطة قضائية لقمع أي شكل من أشكال الخروج عن القيم المسيحية، ما بين القرن الثالث عشر إلى السادس عشر.

يعني التصنيف “المتطرف” أيضًا أنه عندما تقوم الشرطة بمداهمات “شهود يهوه”، فإنهم يتصرفون كما لو كانوا يقتحمون مخابئ الإرهابيين المسلحين.

وتشير الشبكة إلى أن العشرات من مقاطع الفيديو التي نشرتها سلطات إنفاذ القانون تظهر ضباطًا يرتدون دروعًا وخوذات كاملة، مسلحين بالبنادق والهراوات، وهم يدخلون شقق الأشخاص المذعورين. في بعض الحالات، تمزق الشرطة الأبواب بمناشير كهربائية وقضبان غراب.

وقال لوكشينا إن الضباط يتصرفون “كما لو كان هناك نشاط إجرامي خطير للغاية يحدث بالفعل .. بينما في الحقيقة ما يتعاملون معه هو أناس يصلون ويتحدثون ويمارسون عقيدتهم بسلام”.

وفي يونيو الماضي، حث المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، روسيا على الكف عن إساءة استخدام تصنيف ‘التطرف’ لاستهداف المنظمات السلمية، والوفاء بالتزاماتها الدولية باحترام وضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية”.

بعد قرار طال منظمة نافالني.. واشنطن تحث موسكو على عدم إساءة استخدام مصطلح “التطرف”

دانت الخارجية الأميركية، الأربعاء، قرار القضاء الروسي بتصنيف منظمات تابعة للمعارض الروسي، أليكسي نافالني، بأنها “متطرفة” وحظر عمل موظفيها وملاحقتهم قانونيا.

وأضاف “للشعب الروسي، مثله مثل جميع الناس، الحق في التحدث بحرية وتشكيل جمعيات سلمية لتحقيق أهداف مشتركة وممارسة الحرية الدينية وإسماع أصواتهم من خلال انتخابات حرة ونزيهة”.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد