- الإعلانات -

- الإعلانات -

‫ فن النهمة.. عراقة الماضي تتناقلها أجيال الحاضر

ثقافة وفنون

58

فن النهمة.. عراقة الماضي تتناقلها أجيال الحاضر

02 نوفمبر 2022 , 06:00م

alsharq

الدوحة – قنا

رافق النهام منذ زمن بعيد صيادي اللؤلؤ وهم يمخرون عباب البحر بمحاملهم التقليدية طلبا للعيش في أعماق البحار للتخفيف عنهم بصوته الشجي وهو يردد أغاني تراثية من قبيل أوه يامال، جم انا بانوح، كما يلهج لسانه بـ لا إله إلا الله، وغيرها من الكلمات الأخرى التي يشدو بها.

ويهدف النهام وهو الشخص الذي يتغنى بصوته الشجي، بث الهمة والنشاط في طاقم السفينة (اليزوة)، الذين كان لكل مجموعة منهم عملها مثل الميداف، وكذلك أثناء رفع الشراع الكبير وهو ما يسمى بالخطفة، وكذلك فن “الجيب” أثناء رفع الشراع الصغير، وذلك طيلة رحلة الغوص التي تمتد لعدة أشهر.

ويعد وجود هذا العنصر ضروريا خلال رحلة الغوص تشجيعا لطاقم السفينة على مواصلة العمل بكل جد واجتهاد ودون كلل أو ملل.

وكان النهام الجيد الذي عادة ما يقع عليه الاختيار، يتميز بصفات محددة لا توجد لدى غيره على ظهر السفينة، ومن أبرزها الصوت القوي والشجي الذي ينبغي أن يسمعه كل من يوجد على ظهر السفينة إذ كان قائد السفينة “النوخذة” يبحث عنه وينتقيه ليرافقه في رحلة الغوص، ويحرص على اختيار من يمتاز بصوت صداح يستطيع أن يُنهم في البحر مع تلاطم الأمواج، ويسمع الجميع الأغاني والأهازيج البحرية.

ويعتبر فن النهمة من الفنون الشعبية البحرية القديمة، التي تحولت مع مرور الزمن من أغانٍ بحرية تشجع البحارة على القيام بأعمالهم، إلى فن بحري له قواعد أساسية لأدائه، وتقام له مناسبات ومسابقات في قطر والخليج حفاظا عليه من الاندثار.

وتغنى بهذا الفن الأجداد الذين قضوا حياتهم بين أمواج وأعماق البحار بحثا عن اللؤلؤ، فصدحت أصواتهم بـ اليامال، ويهدف هذا الفن العريق إلى بث الحماس في نفوس الغواصين وتشجيعهم على العمل، وبذل الجهد لاستخراج المحار من أعماق البحار في رحلة شاقة يخفف عناءها النهام.

وعادة ما تحتوي النهمة على أغانٍ متنوعة شعبية وخفيفة تخضع لقواعد معينة، وكذلك أغاني الزهيري، والموال، بالإضافة إلى ترانيم واستهلالات وأدعية وابتهالات كلها تدخل ضمن ما يغنيه النهام خلال رحلات الغوص التي تمد لأربعة أشهر وعشرة أيام متواصلة.

وفي هذا السياق، قال الفنان النهام علي الحداد في تصريح لوكالة الأنباء القطرية قنا: إن فن النهمة في الأصل لم يصلنا من فراغ، بل كان الآباء والأجداد يتغنون به حتى وصل إلينا حاملا معه عبق وعراقة الماضي، موضحا أن فن النهمة يعتبر وقود الحياة البحرية على السفينة، وهو ما يحرك سفن الغوص ويحفز من هم على متن تلك السفن للعمل بشكل جماعي لإطلاق السفينة وسيرها في البحر، ولولا هذا الفن والنهام تحديدا لما بُث الحماس في نفوس من يعملون على متن السفن، خاصة أن فن النهمة يحمل عبارات تشجيعية وأدعية دينية تبعث القوة والحماس منذ انطلاق رحلة الغوص وحتى العودة إلى الوطن.

وأضاف: إن الهدف من وجود النهام على متن السفينة هو تخفيف عناء السفر في البحر، ومشقة الغوص لدى البحارة والغاصة، كما يخفف عنهم فراق الأهل والأصدقاء لأشهر طويلة، مشيرا إلى أن وجود النهام أمر أساسي، خاصة في فترة كان اعتماد أهل قطر فيها على استخراج المحار من أعماق البحار، واستخراج اللؤلؤ للحصول على قوتهم.

وأوضح الحداد أن النهام يبدأ بفن “السيفية” مع تجمع الغاصة وسيرهم على الشاطئ “السيف” بقيادة النوخذة، ويردد في هذه الأثناء: “لا إله إلا الله”، وعند الدخول إلى البحر يطلق النهام فن الدواري وهو “جم انا بانوح والموسم طويل”، وكذلك أثناء سحب الأداة المسؤولة عن تثبيت السفينة أثناء وقوفها “الباورة” استعدادا لانطلاق السفينة، وبعد ذلك “أوه يامال” وتليها الخطفة التي يوجه خلالها النهام كلمات للمسؤولين عن تنزيل الشراع الكبير، ويتجه بعدها بكلماته إلى فن “الجيب” الموجه للمسؤولين عن تنزيل الشراع الصغير، وكذلك “المخموس” الذي يوجه كلماته إلى الغاصة قبل نزولهم في عمق البحر، مشيرا إلى أن الفنون على متن السفينة نوعان الأول منها المسؤول عن عمل طاقم السفينة، والثاني هو السمر “الفجري” الذي عادة ما يكون ليلا، وتختلف أغانيه عن فن النهمة، ويطلق بهدف التسلية وإضاعة الوقت الطويل في عرض البحر.

من جهته، قال جاسم عبد الرحمن المناعي باحث في التراث البحري القطري في تصريح مماثل لـ /قنا/: إن للنهام دورا كبيرا على ظهر المحمل، ويعتبر وقود سفينة الغوص “المحمل”، والمسؤول الأول عن بث الحماس ومنح فريق العمل على متن السفينة الذين يسمون “اليزوة” القوة، من خلال الأغاني والكلمات التي تلامس وجدان وأحاسيس كل من يتواجد على متن السفينة، ومنحه القوة لمواصلة العمل واستمرار سير السفينة، لافتا إلى أن للنهام عدة مقامات وأغانٍ يوجهها لكل فرد من أفراد /اليزوة/ الذين لكل فريق منهم عمله الخاص إذ إنه عندما ترفع /الباورة/ تكون هناك نهمة خاصة للعاملين في عملية سحبها من قاع البحر، وكذلك أيضا بالنسبة للعاملين في تنزيل الشراع، علاوة على النهمة الخاصة في دوران السفينة، وكذلك خلال سيرها، وتسمى النهمة الخاصة بهذه العملية “الزهيريات” التي تحتوي على أغانٍ عن فراق الأهل والأحباب أثناء رحلة الغوص، ويستمر النهام في الغناء حتى الوصول إلى الهيرات، وحتى نزول الغيص وخروجه من أعماق البحر حاملا معه المحار.

وأضاف، قبل خروج النفط في دولة قطر كان فريق العمل في السفينة يستعدون قبل مدة بحسب الاتفاق مع النوخذة وهو قائد السفينة لدخول البحر بهدف استخراج اللؤلؤ الذي يعتبر مصدر رزقهم آنذاك ولذلك فإن فن النهمة كان له ارتباط كلي ومباشر بـ /اليزوة/، وله مهام عديدة على ظهر السفينة إذ إنه المسؤول عن عمل /اليزوة/ بشكل جماعي وبروح واحدة لتحريك سفينة الغوص.

وأوضح المناعي أن لكل مجموعة من فريق العمل المتواجد على متن السفينة مهاما محددة ومنظمة، يقومون بأدائها حسب التوجيهات التي يتلقونها من /النوخذة/، وهو المسؤول الأول في السفينة عن طريق “المجدمي” الذي يعتبر المسؤول الثاني في السفينة، ويقوم بتوجيه التعليمات والأوامر التي تلقاها من /النوخذة/ إلى فريق العمل، ثم يأتي دور الشخص الذي يغوص في البحر لاستخراج المحار وهو “الغيص” إذ إنه المعتمد عليه بعد المولى -عز وجل- في الحصول على المحار من قاع البحر بعد توقف سفينة الغوص في المناطق التي يتوفر فيها المحار، وتسمى “الهيرات”، ومن ثم يأتي دور “السيب” المعني بسحب الغيص من قاع البحر، وكذلك “السكوني” المسؤول عن قيادة السفينة، والذي لا بد أن يكون لديه علم في الفلك وتحركات النجوم، واتجاه الريح من أجل توجيه الشراع أثناء سير السفينة وحتى الوصول إلى مواقع الغوص.

 

مساحة إعلانية

#فن #النهمة. #عراقة #الماضي #تتناقلها #أجيال #الحاضر

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد