- الإعلانات -

- الإعلانات -

لماذا يكره المتأسلمون فن الباليه؟

الليالى العامرة.. حكايات من دار الأوبرا المصرية «3-2»

أثارت مشاهدتى عرض «الجمال النائم» لفرقة باليه موسكو بمشاركة نجوم مسرحى البولشوى والمارينسكى على المسرح الكبير لدار الأوبرا المصرية، العديد من الأفكار والتساؤلات فى نفسى، التساؤل عن شرط تحقق المعجزة والاحتفاظ بديمومة الجمال النائم، وهو تجميد أو إيقاف الزمن عند اللحظة التى تغيب فيها الأميرة عن الوعى وتنام، فلولا ذلك لتحولت القصة إلى تراجيديا عظمى، حيث تستيقظ الأميرة فى زمن ووقت غير الذى نامت فيه، وبفعل تقدم السنين ستجد كل من حولها هَرِمَ وتغير، الأشخاص والمبانى والأفكار، وبالتالى ستكون قُبلة الأمير، التى ستكون سببًا فى إيقاظها الجسدى هى السبب فى اغترابها الروحى والنفسى. وكيف أننا فى الواقع لا نمتلك رفاهية الغفوة أو الغفلة، فكل اختيار خاطئ هو فخ أو متاهة نخرج منها منسحقين، فغفوتنا لن تخص أحدًا سوانا، وسيظل كل الأحياء يواصلون طريقهم فى سباق الحياة يفكرون ويبتكرون ويخترعون، بينما نحن فى ثبات القبح النائم. الفكرة الثانية التى شغلت ذهنى هى العلاقة الملتبسة بين الإسلام كفقه وشريعة وفن الباليه بشكل خاص وفنون التعبير الجسدى بشكل عام.. وقد كنت وما زلت أعتبر العام الذى تولى فيه الإخوان المسلمون سدة الحكم فى مصر هو المرجع الوحيد لما يمكن أن يكون عليه حال الثقافة فى مصر تحت سيطرة قوى الإسلام السياسى، سواء كانت إخوانية أو سلفية، ويمكن أن يطلق على هذا العام، ليس عام الغُمة، ولكنه عام الكشف، عام اليقين، الصراحة الواضحة القاطعة لكل الأفكار التى يحملها المتأسلمون تجاه الفنون بشكل عام وتجاه الجسد الإنسانى بشكل خاص. وخلال حوار أجريته لبرنامج «أطياف»، المذاع على شبكة تليفزيون الحياة أوضحت الدكتورة جيهان زكى، الرئيس السابق للأكاديمية المصرية للفنون فى روما، كم الضغوط الكبيرة الذى تعرضت له تلك الفترة، كى يقتصر نشاط الأكاديمية على عرض الفنون الإسلامية فقط، رغم أن الأكاديمية تهتم رسالتها بتقديم وعرض الفن المصرى على الجمهور الذى يقيم بالخارج، وعندما نستحضر فى الذهن تعبير الفن الإسلامى تتبادر للذهن مباشرة أعمال الخزف، الخط العربى، الزخرفة.. أى كل ما هو من إنتاج يد الإنسان وليس الإنسان نفسه وبالتحديد جسده، فجسد الإنسان كأداة للتعبير يدخل فى دائرة التحريم والإباحة مع التقييد بشروط، هذه الشروط إذا تم تطبيقها فسيجرد فن الباليه وفنون الرقص من فلسفتها والهدف منها.لذا لم يكن من الغريب أن تعادى الجماعة المنحلة خلال توليها الحكم دار الأوبرا المصرية، وتعمل على منع عروض الباليه، وإلقاء فرقة باليه القاهرة فى سلة المهملات.. فلماذا يكره المتأسلمون فن الباليه؟، تنبع هذه الكراهة من كراهية الجسد ذاته كوسيلة للتعبير عن إرادة الإنسان الحرة والفردية والتعبير عن مكنون الذات متخطيًا حواجز ومراوغات اللغة. فالجسد يستطيع التعبير بلغة الإيماء والإشارة والحركة عن رغبات وحاجيات الإنسان، عن فرحه وحزنه، وقد استخدم الإنسان الرقص وحركات الجسد للتعبير عن الدفقات الشعورية النابعة من النفس، فحركة الجسد هى ما تعكسه النفس فطريًا.لكن المتأسلمين يخافون من قدرة الجسد على التعبير فيدجنونه فى إطار واحد هو «الرغبة الجنسية»، ويختزلون كل قدرات التعبير الجسدى فى حركة واحدة هى الفعل الجنسى، فكل تواجد أو تواصل بين جسدين لن يخرج عن نطاق الشهوة والغريزة والجنس، ولا تعبير أو عرض يستطيع الجسد أن يقدمه سوى العرض الجنسى، لذا فدرءًا للشبهات والتأويلات التى تملأ مخيلتهم يجب أن يتم منع فن الباليه، الذى هو فى تصورهم عرض جنسى عام، يرتدى فيه الراقصون أخف الملابس ويتلامس الراقصون والراقصات بما يفتح باب اللعنة والجحيم على من يمارس هذا الفن ومن يشاهده.ولأن فن الباليه يجعل من الجسد المعبر الأساسى عن تجليات الشعور الإنسانى تجاوبًا وتمثيلًا للمقطوعات الموسيقية التى تعزف فى العرض، ولأن تقنياته تعتمد على جعل الجسم يتحرك بأكبر قدر ممكن من المرونة والسرعة والسيطرة والرشاقة. وهذه التقنيات تستلزم تطبيق نظام صارم فى التدريب والتجارب، سنوات من الجهد والتعب لتنمية التوافق والتحمل العضلى العصبى، لتنمية المهارات الفردية والتحرر من الضغوط، مما يستلزم مراعاة كبيرة للجسد وتواصلًا دائمًا معه لمعرفة حدود قوته والوصول إلى أقصاها وإدراك نقطة ضعفة وانكساره وتجنب الوصول إليه، مما يستلزم درجة عالية من الوعى بجسدى وجسد المحيطين بى، وهذا الوعى أو اليقظة فى الحقيقة ما يخافه المتأسلمون.إنهم يخافون من يقظة الجسد، من وضوحه وعدم مراوغته، يخافون من كمال الجسد الإنسانى الذى خلقه الله فى أحسن تقويم، يعرفون أن وجود الإنسان هو جسده، لذا يمعنون فى تزييف وعى المسلم بجسده، يجعلونه عدوًا وشيطانًا لا يجب الإصغاء له، وكل استجابة لمطالبه تدخل فى دائرة التحريم لعموم المسلمين، لكنهم لا ينفكون يخترعون المسكنات والمهدئات للقادرين منهم، وهم الذكور أصحاب الأجساد الأكثر فاعلية فى المحيط الإسلامى، فيبيحون التعدد الجنسى للذكر، ويحرمون ذلك على الإناث، فى تشريع سياسى اجتماعى طبقى، ليست له علاقة باحتياجات أو تعبير الجسد الإنسانى، لأنه كما لا تتطابق النفوس، لا تتطابق الأجساد، فهناك إطار عام للغة الجسد لكن لكل جسد احتياجاته وقدراته المختلفة عن التعبير، وبالتالى يكرسون فى أذهان الذكور أن أى تواصل بين الإنسان وجسده هو تواصل جنسى، ويحرمون كل مسلم ومسلمة من تعلم الإصغاء لجسده فى حالات ضعفه وغضبه وقوته، والتعامل مع هذه الحالات بروية وحكمة وتفهم لدوريتها أو قوتها ومداها.وللحديث بقية..

#لماذا #يكره #المتأسلمون #فن #الباليه

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد