- الإعلانات -

- الإعلانات -

لوبي رجال الأعمال… هل له علاقة بصدام الرئاستين التونسيتين؟

الرئيس التونسي يسلم هشام المشيشي تكليف تشكيل الحكومة في يوليو/تموز الماضي (الأناضول)تلوذ منظمات رجال الأعمال في تونس بالصمت، في ظل أزمة سياسية غير مسبوقة تعيشها البلاد، إلا أن حضورها خلف الكواليس يبدو واضحاً، وفق منظمات مجتمع مدني وهو ما ينفيه بشدة رجال أعمال بارزون، مشيرين إلى اتخاذهم مسافات من جميع الأطراف السياسية، خاصة ما يتعلق بالأزمة الحالية الناجمة عن رفض الرئيس قيس سعيد عدداً من الوزراء الذين شملهم التعديل الوزاري الأخير بسبب “شبهات فساد تحوم حولهم”، في حين يتمسك رئيس الحكومة هشام المشيشي بتشكيل حكومته التي قال إن عدم أدائها اليمين الدستورية تسبب في تعطيل مصالح الدولة.

وتشهد تونس ما باتت تعرف بأزمة “أداء اليمين” الدستورية منذ تصويت البرلمان على منح الثقة للتعديل الوزاري الذي شمل 11 وزيراً من أصل 25 حقيبة يوم 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث لم يوجه رئيس الجمهورية بعد الدعوة للوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه في قصر الرئاسة بقرطاج بحسب ما يفرضه الدستور.

وكان سعيد قد حذر، في يناير/ كانون الثاني الماضي، خلال اجتماع مجلس الأمن القومي بحضور المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة، من “مغبة تمرير التعديل الوزاري”، بسبب ما وصفها بـ”الخروقات الدستورية وتعلق قضايا أو ملفات تضارب مصالح بعدد من الوزراء” من دون تسميتهم.

لكن منظمات مجتمع مدني شاركت في السابق في الكشف عن تورط مسؤولين حكوميين كبار في الفساد، أشاروا إلى أن من تحوم حولهم شبهات الفساد مرشحون لوزارات حيوية منها الطاقة والتشغيل والصحة، لافتين إلى أن هناك تدخلا كبيرا لشخصيات اقتصادية نافذة في التعديل الوزاري، رغم الصمت الرسمي لمنظمات الأعمال إزاء الأزمة.

منظمة “أنا يقظ”، نشرت سلسلة تحقيقات استقصائية على موقعها الإلكتروني، كشفت أخيرا عن شبكة العلاقات والمصالح التي تربط مجمعات اقتصادية ورجال أعمال بالوزراء الجدد.

يقول مهاب بلقروي، عضو “أنا يقظ “، إن “أصحاب المجمعات السياسية الكبرى ورجال الأعمال يتحكمون في المجال السياسي ويصطفون إلى جانب الحكومة وهم من دفعوا الكتل البرلمانية إلى التصويت على وزراء تحوم حولهم شبهات فساد ودفعوا بالبلاد نحو نفق مسدود”.

يضيف بلقروي أن “المجامع الاقتصادية الكبرى تسعى إلى حماية مصالحها والمحافظة على حصتها في اقتصاد ريعي بامتياز، مشيرا إلى أن “صاحب شركات أدوية كبرى يقف خلف تعيين وزير الصحة هادي خيرى” .

وبحسب عضو منظمة “أنا يقظ” فإن “أصحاب النفوذ المالي يصطفون وراء الحكومة التي تمتلك السلطة التنفيذية، لأن مصالح رجال الأعمال وأعضاء الحكومة والبرلمان تتشابك، فيما يترك الشعب لمواجهة مصيره بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي”.

ومنظمة “أنا يقظ” كانت وراء إثارة ملف نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس المتهم بتبييض الأموال والتهرب الضريبي، وكان من نتائج تلك الشبهات صدور أمر باعتقاله وسجنه.

وقبل عرض التعديل الوزراي على البرلمان، طالبت المنظمة رئيس الحكومة بسحب اقتراح هادي خيري لوزارة الصحة، كما انتقدت تعيين سفيان بن تونس، على رأس وزارة الطاقة والمناجم ضمن التعديل الوزاري الجديد، داعية إلى “تجنب التعيينات المشبوهة، خاصة في أعلى هرم السلطة وعدم التلاعب بمؤسسات الدولة جراء حسابات حزبية لا تراعي المصلحة العليا في ظرف دقيق” .

وعقب مصادقة البرلمان على التعديل الوزاري في 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، أصدر اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بيانا أعرب عن تمنياته للوزراء الجدد بالتوفيق في مهامهم، مؤكدا أهمية الاستقرار السياسي كشرط أساسي في المرحلة المقبلة للعمل على الملفات الحيوية والإصلاحات التي تحتاجها تونس.

وطالب الاتحاد في بيان له حينها، الطبقة السياسية ونواب الشعب ومختلف القوى الوطنية، بالتحلي بالحكمة والرصانة، والأخذ بعين الاعتبار دقة المرحلة التي تمر بها تونس وبحساسيتها، وبما تتطلبه من نظرة استشرافية تمكن من البناء، ومن توافق وتغليب للمصلحة الوطنية العليا، حتى يتسنى تجاوز المصاعب الكبرى التي تواجهها البلاد في كل المجالات، خاصة على المستوى الصحي والاجتماعي والاقتصادي والمالي.

لكن بعد خروج الخلاف بين قصري الحكومة والرئاسة إلى العلن بسبب التعديل الوزاري، تجنبت منظمات الأعمال الإفصاح عن مواقف رسمية تحسب عليها مستقبلا، مكتفية بالتأكيد على أهمية التوافق وإعلاء المصلحة الوطنية العليا خدمة لمناخ الاستثمار.

وفي تصريح لـ” العربي الجديد” يقول طارق الشريف، رئيس منظمة كوناكت (تكتل لرجال الأعمال) إنه “ينبغي أخذ مسافات من الخصومات السياسية والانشغال بتحسين مناخ الأعمال والاستثمار ومكافحة الآثار المدمرة لجائحة فيروس كورونا على عدد من القطاعات الحيوية”.

ويضيف الشريف أن “دور رجال الأعمال هو خلق الثروة وفرص العمل وتحسين مساهمة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي، والحكومة والسياسيون مطالبون بتوفير الأرضية اللازمة للبناء الاقتصادي”.

لكن محللين اقتصاديين يؤكدون أن أصحاب رؤوس الأموال يلعبون دوراً كبيراً عبر منظمتهم “اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية” في رسم المستقبل السياسي للبلاد من خلال المجلس النيابي أو عبر دعم الحكومات ومحاولة التأثير على القرارات الاقتصادية الكبرى حيث تتغلب المصالح الخاصة وحسابات الربح والخسارة على المصلحة العامة للبلاد.

وكثيرا ما يظهر دور لوبي رجال الأعمال في التأثير على البرلمان والحكومة أثناء مناقشة قانون المالية، حيث يكثف المتعاملون الاقتصاديون الضغوط من أجل تمرير موازنة مخففة من الضرائب توفر لهم المناخ لتحقيق أكبر قدر من الأرباح مقابل المساهمة في التنمية وخلق فرص العمل.

ومجلس نواب الشعب الذي انتخب عام 2019 لدورة برلمانية تدوم 5 سنوات، شهد حضورا غير مسبوق لأصحاب المال بعد صعود عدد كبير من رجال الأعمال إلى السلطة التشريعية.

الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف، يعتبر أن تأثير النفوذ المالي في الساحة السياسية متوقع مع تعاظم نفوذ رجال الأعمال في أهم مؤسسة حكم في البلاد وهي البرلمان، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة عالمية وليست استثناءً تونسياً.

غير أن الشريف يؤكد في تصريح لـ”العربي الجديد” أن انسداد الأفق السياسي بسبب أزمة الحكم في تونس بلغ حد التصادم بين مؤسستي الرئاسة من جانب والحكومة المسنودة من البرلمان من جانب آخر، وهو ما يؤثر سلبا على سمعة تونس التي تحتاج إلى تنقية المناخات السياسية من أجل إقناع دوائر القرار المالي بدعمها توفير التمويلات اللازمة للموازنة.

وتحتاج تونس خلال العام الجاري إلى قروض تقدر بنحو 19.5 مليار دينار (7 مليارات دولار)، تشمل قروضاً أجنبية بحوالي 5 مليارات دولار، حيث تعاني المالية العامة من وضع صعب، وستصل مدفوعات الديون المستحقة هذا العام إلى 16 مليار دينار، وهو مستوى قياسي، ارتفاعاً من 11 مليار دينار العام الماضي وثمانية مليارات في 2019، بينما كانت لا تتجاوز 3 مليارات في 2010.

وإلى جانب الأزمة السياسية الحالية، تستمر الاحتجاجات التي تهز تونس منذ أسابيع للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية التي تضررت خاصة في ظل تداعيات كورونا، بينما طرقت الحكومة أبواب صندوق النقد الدولي مجدداً من أجل الحصول على قرض جديد.

غير أن شروط الصندوق هذه المرة لن تكون يسيرة، حيث شدد في يناير/ كانون الثاني الماضي على ضرورة احتواء الأجور والتحويلات المخصصة للشركات العامة وخفض الدعم، في حين تتجنّب السلطات التونسية تحت ضغط الشارع وتفاقم الاحتجاجات المعيشية أي قرارات قد تسبب مزيداً من الفقر وقطع الرزق للفئات الفقيرة والهشة.

وتصل نسبة البطالة إلى 16.2%، إذ يبلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 676 ألف شخص، وفق البيانات الرسمية، فيما ترجح أرقام غير حكومية أن يكون الرقم أعلى بكثير متجاوزاً المليون عاطل.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد