- الإعلانات -

- الإعلانات -

هكذا قرأ بالطيب لعبة الرمزيات في نقل المومياوات

قدم مدير تحرير بوابة إفريقيا الإخبارية محمد بالطيب قراءة تحليلية في موكب المومياوات الملكية الذي قدمته مصر في شكل استعراضي خلال الأيام الماضية معتبرا أنها فصلاً من معركة كبيرة بالرمزيات، معركة في شرق المتوسط بين مصر وتركيا.وقال بالطيب في مقال تحليلي نشره بصفحته بموقع “فيسبوك” إن موكب نقل المومياء هو جزء من لعبة الرمزيات في صراع الحوض الشرقي للمتوسّط، وهاذي تقريبًا حاجة يصعب استيعابها بالنسبة لـ”مجتمع بنغلاداشي” (في تونس) يعيش على المساعادات، ونخبه السياسية برامجها تتلخص في “السيطرة على مسالك التوزيع”، ومجتمع ماعنده حتى معركة حضارية يمكنه أن يخوضها بخلاف توزيع “التُكتك” لمقاومة الفقر الزاحف في بلد فيه مقومات النّهوض والمجد والازدهار الاقتصادي. وأضاف بالطيب “إذن بعيدًا عن كل الكلام المعقول والنقاشات المشروعة حول طبيعة الحكم في مصر والملف الحقوقي والإخوان وغيرها من المواضيع السياسية. وبعيدًا عن التفسير التقني الاقتصادي في ربط الحدث بالسياحة وبعيدًا حتى عن الاسقاطات الذكيّة لاحتفالات شاه إيران عن الوضع المصري (وكأنّ ثورة الخميني كانت شمسا ساطعة بالدّيمقراطيّة والحريّة!)، يبدولي الحدث حاملاً لمعنى أكثر عمقًا في إطار صراع أكبر للرمزيات يستدعي التاريخ والهوية العميقة في سياق مواجهات مفتوحة في شرق المتوسط والقرن الافريقي”. وتابع بالطيب بداية القرن الماضي، كان اكتشاف قبر توت عنخ آمون حدثًا فارقًا في سياق الصراع المنفجر في مصر بين مدرستين: مدرسة لطفي السيّد بشعارها الكبير “مصر للمصريين” ومدرسة الدفاع عن الخلافة والسلطة العثمانية برمزها الكاريزمي مصطفى كامل.وأردف بالطيب كان الصراع يشق مصر منذ فشل ثورة عرابي، حين بدأ المصريون يطرحون الأسئلة الكبرى كتلك التي طرحت بعد هزيمة العام 1967، أسئلة عن الهوية وعن المستقبل وعن الخيار الحضاري المناسب لإعادة النهوض. وفي ذلك السياق الذي ظل مستعرًا حتى الخمسينات كان اكتشاف قبر آمون حدثًا شديدة التأثير في حدّة الصراع الثقافي المصري. كان دفعة رهيبة لأنصار القومية المصريّة، أولائك الذين يعتبرون أن الهويّة المصريّة هويّة خاصة بجذور فرعونية رافضين لأي إعادة انصهار في منظومة “الخلافة” الجامعة.وأضاف بالطيب تحت عناوين هذه المدرسة بتفرعاتها المتعدّدة كنت تجد طه حسين بمشروعه النقدي الصادم للتراث العربي الإسلامي، وكنت تجد السيّد درويش بمشروعه التحديثي للفن والموسيقى و”تمصير” اللحن والايقاع والكلمات، وكنت تجد نجيب محفوظ في “كفاح طيبة” وهو يسترجع كفاح المصريين القدامي ضد الغزاة الهكسوس في سياق التحفيز لمعركة الانعتاق من “الاستعمار” البريطاني المتواصل من خلف ستائر القصر الملكي، وكنت تجد تلك الدعوات المعلنة لاعتماد العامية بديلا عن الفصحى في التعليم والثقافة، وكنت تجد جامعة الأهلية كمقابل “تحديثي” لجامع الأزهر. لقد كانت خطى الأركيولوجي هوارد كارتر في وادي ملوك وهو يعبر نحو القبو الذي يرقد فيه توت عنخ آمن، أحد أهم اللحظات الفارقة في تاريخ الثقافة المصريّة وأحد أهم الخطوات نحو تجذير ذلك الوعي “المصري” الوليد وإعطائه جرعة عالية جدًا من القوّة والنضارة.وأردف بالطيب “كان المعسكر المقابل متمترسًا في أسواره التقليدية وبمناهجه القديمة وأسلحته المعروفة وبخطابه القديم. نخبٌ قادمة في معظمها من المصاعد التقليدية عبر الأزهر ومؤسساته. نخبٌ دينية في الغالب متمسكة بالمرتكزات العربية الإسلامية للهوية المصريّة ومنفتحة على مشروع الخلافة الجامعة ورافضة لكل محاولة نقدية ضد التراث والمؤسسات السياسية والاجتماعية. يبدو مصطفى كامل الرّجل ذو المسيرة الجميلة واحد من أبرز نماذج هذه المدرسة برموزها الكثيرة”.وتابع بالطيب “في ذلك السياق كان تكفير علي عبد الرازق وطه حسين ورفض أفكار قاسم أمين قبل ذلك، وفي ذلك السياق الممتد لأكثر من نصف قرن عاشت مصر (كما تونس الثلاثينات) واحدة من أزهى عصور الثقافة العربية. لكن ذلك الصراع الثقافي، وفي جوهره الفعلي والحقيقي، كان صراعًا سياسيا وحضاريًا يبحث عن حسم”.وزاد بالطيب “عطّلت ثورة يوليو، تطوّر ذلك الصراع، الذي استمر بأشكال أقل وضوحا في مفاصل أخرى. فقد كان عبد الناصر رجلا اشتراكيا جافًا وعسكريًا بعقل تقني بسيط، فقمع كل تفاعلات تحت نقاشات أخرى وبقوة الدّولة وبشعارات أخرى أكثر صخبًا وأعلى صوتًا. لم يحسم ذلك الصراع المصري أبدًاـ وبقي ينتظر اللحظة ليعود للتفاعل من جديد”.وأردف بالطيب “منذ تسلّم أردوغان للسلطة في تركيا بنى مشروعه القومي التركي التوسعي على احياء سرديّة الخلافة والتراث العثماني ونصرة الإسلام السني، وبدأ يقدّم نفسه ويقدّمه أنصار كسلطان فاتح جديد. فعلت تركيا شيء في سبيل تقوية لعبة الرمزيات والسرديات الكبيرة. تجندت الدراما بكل ثقلها لتحيى قصص رموز عثمانية وانتشرت مئات الآلاف من الصفحات عن تركيا والعثمانيين والخلافة. واجتهدت تركيا في تمويل مراكز الدراسات والمؤسسات الإعلامية الكبرى لتتحول لمكاتب للدعاية التركية”. وقال بالطيب “بنت تركيا تحالفات صلبة مع دول وتنظيمات عربية وإسلامية في سبيل مشروعها التوسعي. وحصلت على ولاءات شديدة القوّة مع جماعات دينية وسياسية تحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي/الإسلامي”.وزاد بالطيب “في سبيل ذلك أصبحت لعبة الرمزيات واحدة من أقوى محفزات هذه القوة الناعمة: الدراما التركية، تحويل آية صوفيا إلى مسجد، بناء قصور على الطراز العثماني التقليدي وبروتوكولات سلطانية ترافق حركات أردوغان بطموحه القومي التوسعي الذي لا يعرف حدًا”.وأضاف بالطيب “في الأشهر الأخيرة، وفي لحظة تصاعد حدّة خطاب المواجهة بين مصر وتركيا حول الملف الليبي، ظهرت وبشكل علني وكثيف وبدون أي مواربة دعوات مصرية لدعم الجيش التركي في مواجهة الجيش المصري! كان ذلك المعطى شديد الخطورة بالنسبة لدولة مثل مصر تواجه عشرات الملفات المفتوحة وتواجه جبهات عسكرية دولية قابلة للانفجار في كل لحظة. من سيناء وإسرائيل إلي ليبيا إلى أثيوبيا صعودا لحوض المتوسّط تجد مصر نفسها ممزقة بين أفواه ذئاب مفتوحة على أعضائها الحيوية”. وأردف بالطيب “فهمت مصر (كدولة وربما حتى كنظام سياسي) أهمية لعبة الرمزيات وخطورتها. يمكنك أن تتخيل خطورة كيف يمكن لشخص تحت تأثير تلك اللعبة أن يتمنى هزيمة جيش بلاده ضد جيش أجنبي!”. وزاد بالطيب “فهمت مصر تلك اللعبة وبدأت تديرها لصالحها، الدراما المصرية وتحت سيطرة مباشرة للجيش بدأت في انتاج أعمال ضخمة من مسلسلات وأفلام تخاطب المشاعر الوطنية (أو القومية المصرية) عند عموم المصريين. كلنا نتذكّر تأثيرات مسلسل الاختيار أو فيلم الممر والنقاشات التي فجرها وحالة الفخر التي صهرها في مشاعر المصريين المتأثرين بقوة اللحظات الدرامية”.وتابع بالطيب “بدأت مصر تنخرط في لعبة الرمزيات كأحد أضلع الصراع الاقليمي. وبدأت تعمل على إعادة تشكيل الوعي المصري حول اعتزازه بمصريته وجذوره العميقة بما فيها الفرعونية. إنها تعيد إحياء الصراع القديم بقواعد جديدة. وتريد أن تضعف ذلك الرأسمال الرمزي الذي تتحوز عليه دول منافسة (وحتى عدوة) وتدمّره بشكل نهائي. لعبة الرمزيات المصريّة الجديدة تريد أن تضرب قوّة الخصم التركي في رأسماله العثماني وأن تقوي الجبهة المصريّة بالاستفادة من كلّ الرموز التاريخية والمعاصرة ومن كل الأحداث المصريّة الكبيرة”.وقال بالطيب حين كان موكب المومياء يتحرّك في ميدان التحرير، كتب أحد مشايخ الأزهر وأحد نجومه الصاعدين وأحد أنصار التيار التقليدي القديم، تدوينة تذكّر بالبعد العربي الإسلامي للهوية المصرية. ذلك “الشيخ” نفسه كان قد كتب يوما ما تدوينة عن “ساداته آل عثمان”.وأردف بالطيب “موكب المومياء، إذن، ليس إلاّ فصلاً من معركة كبيرة بالرمزيات، معركة في شرق المتوسط بين مصر وتركيا. وليس إلاّ استمرارا لجذور الصراع القديم الذي كان توت عنخ آمون أهم فصوله”.وختم بالطيب بالقول “مع ذلك، ستكون مصر أمام معركة رمزيات جديدة ومعركة سرديات أخرى، قريبًا جدًا، ضد أثيوبيا، ستخوضها ضد اليسار الأمريكي تحديدًا، وستكون معركة كبيرة… وصعبة”.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد