القضاء التونسي.. جدل الاستقلالية في ظل التدابير الاستثنائية

تونس/ يسرى ونّاس/ الأناضول

– رئيس جمعية القضاة الشبان:لدى سعيّد نية كاملة للاستيلاء على القضاء
– القاضي بن خليفة:أجزم أن من بين القرارات التي كان سيعلنها سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء
– القاضي الوسلاتي:أي تدخل في السلطة القضائية سيمس حتما بضمانات استقلال القضاء

يسود جدل في الأوساط الحقوقية التونسية، بشأن “استقلالية القضاء”، سيما على ضوء التصريحات الأخيرة للرئيس قيس سعيّد، التّي أكد فيها بأن القضاء “وظيفة من وظائف الدولة”، وتلميحه إلى حل المجلس الأعلى للقضاء.

واشتعل النقاش حول استقلالية القضاء، منذ أن أعلنت وزيرة العدل ليلى جفال، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، ما أثار حفيظة العديد من القضاة.

واعتبر قضاة تصريحات وزيرة العدل، تدخلا في الشأن القضائي، فيما فنّد الرئيس سعيّد ذلك، مشددا على أن إعداد هذا المشروع سيتم بإشراك القضاة أنفسهم.

ولم تخل خطابات سعيّد، في الفترة الماضية من التطرق إلى مجال القضاء، إذ كثيرا ما أكد على أن القضاء “قضاء الدولة”، وأنه مستقلّ لا سلطان عليه غير القانون، و”لا طريق إلى تطهير البلاد إلا بقضاء عادل، وقضاة فوق كل الشبهات”.

وسارعت حينها عدة هيئات قضائية للتنديد بأي تدخل في القضاء، عبر بيانات شددت فيها على ضرورة عدم المساس بالسلطة القضائيّة والبناء الدستوري.

يوسف بوزاخر، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، عبر، في مؤتمر صحفي، عقده في 13 ديسمبر/كانون الأول، عن رفضه المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية وحل المجلس في هذه المرحلة الاستثنائية.

وفي 10 ديسمبر، لمح سعيد إلى إمكانية تعليق دستور 2014، وإمكانية حل المجلس الأعلى للقضاء، وإعادة صياغة المجلس بواسطة مراسيم.

والمجلس الأعلى للقضاء، هيئة دستورية معنية بالرقابة على حسن سير القضاء واستقلال السلطة القضائية.

جمعية القضاة (غير حكومية)، اعتبرت بدورها تصريحات الرئيس “خطيرة”.

وشددت جمعية القضاة، على تمسكها بالاستقلال التام للقضاء، وبالمكسب الديمقراطي للمجلس الأعلى للقضاء، باعتباره مؤسسة مستقلة تضمن حسن سير القضاء واستقلاله، وتسهر على حماية الهيئات القضائية من الوقوع تحت أي ضغوط.

** “السيطرة على القضاة”

واعتبر مراد المسعودي، رئيس جمعية القضاة الشبان (غير حكومية) للأناضول، أن “لدى سعيّد نية كاملة للاستيلاء على القضاء”.

لفت إلى أن هذا التوجه برز مباشرة بعد إقالة الحكومة وتعطيل عمل البرلمان منذ 25 يوليو/تموز الماضي، عندما ترأس النيابة العمومية، وسرعان ما تراجع عن ذلك، بعد ضغط المجلس الأعلى للقضاء عليه، ودفعه لضرورة النأي بالقضاء عن كل التجاذبات السياسية”.

ومنذ 25 يوليو الماضي، اتخذ سعيّد، إجراءات استثنائية منها: تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه النيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، وتوليه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة عَيَّنَ “نجلاء بودن” رئيسةً لها.

وقال المسعودي، إنّ “لسعيّد، خطابا متضاربا، فمن جهة يؤكد حرصه على ضمان استقلال القضاء، ومن جهة أخرى يحاول توجيهه بشكل متعمّد”.

ويرى أنّ “هدف سعيّد الأساسي السيطرة على القضاة، الذّين ينخرطون تحت لواء المجلس الأعلى للقضاء، من خلال حملة تطهير شعبوية للقضاء دون أسس قانونية”.

ويضيف المسعودي، أن “المجلس الأعلى للقضاء يجب أن يبقى قائما في ظل التدابير الاستثنائية، التّي تعيش في ظلها البلاد، لأنه من يحفظ الأمن العام”.

واستطرد “القضاء ليس مجرد أفراد وإنما مؤسسة. كما أنّه لا يمكن للقاضي أن يشعر باستقلاليته إلا عبر هذا المجلس الذّي يضمن له ذلك”.

وأشار المسعودي، إلى أن “سعيّد أراد إقحام القضاة في تجاذبات سياسيّة”.

وحذر من أنه “إذا أصبح القاضي خاضعا للسلطة التنفيذية فإنه سيصبح حتما غير مستقل”.

وأردف أنّ “الطريقة الوحيدة التي وجدها سعيّد للسيطرة على القضاء، تتمثل في التوجه نحو حل المجلس الأعلى للقضاء، ورفع الحصانة عن القضاة، وأخذ قرارات انفرادية بشأنه”.

وتابع المسعودي، “يريد سعيّد، أن يكون القضاء في قبضته، بعد أن سيطر على الأمن والجيش”.

** دعوات لحل مجلس القضاء

من جهته، يشير القاضي عبد الرزاق بن خليفة، كاتب الدولة لدى وزير الداخلية سابقا إنّ “هناك صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي موالية للرئيس سعيّد، تقوم بالتجييش والدعوة لحل المجلس الأعلى للقضاء”.

وقال بن خليفة، “أجزم أنه كان من بين القرارات التي سيعلنها سعيّد حل المجلس (الأعلى للقضاء) وتعيين القضاة من قبله. فمثلما حل البرلمان يريد أيضا حل المجلس، ويريد أن تصبِح السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بيده”.

ويضيف أن “تلك الصفحات تدفع باتجاه خلق مزاج معين، وتحشيد الشارع ضد القضاء.”

وأردف أنه “من الغريب أن يتم عبر تلك الصفحات الموالية للرئيس تداول قائمة قضاة على أنهم فاسدون، في حين أنهم من أفضل القضاة، وهم يمثلون الخط المستقل في القضاء، والسبب دعوتهم إلى النأي بالقضاء عن أي تدخلات”.

واعتبر بن خليفة، أنّ “نظام الحكم الفردي المطلق الذّي سار فيه سعيّد لم تعشه تونس منذ 1857، زمن حكم البايات، حينها لم يكن هناك لا دستور ولا برلمان ولا حكومة”.

وتابع “سعيّد، قام بحل الحكومة والبرلمان، والمؤسسة الوحيدة التي لازالت تشتغل حتى اليوم وقائمة بذاتها هي المجلس الأعلى للقضاء”.

وأضاف “سعيّد، أراد وضع يده على الدولة بكل أركانها.. خرج عن الدستور، والغاية السيطرة على القضاء، وتوظيفه ضد خصومه السياسيين”.

** إصلاح القضاء ضروري دون ضرب استقلاليته

من جانبه، يرى القاضي عمر الوسلاتي، أنّ “القضاء لا يخلو من مشاكل، ولا بد من إصلاحه، وان تلك الإشكالات تتعلق أساسا بالقوانين التي تدير القطاع”.

وأضاف “لم يتم تكوين القضاة في عدة مسائل على غرار الفساد الإداري والمالي وقضايا تبييض الأموال والفساد، وهنا يكمن ضعف الإمكانات المخصصة لهذا القطاع”.

وأشار إلى أنّ “أبرز ما تحقق للقضاة أن يكون لهم مجلس أعلى للقضاء، يضمن استقلال القاضي عن السلطة السياسية”.

واعتبر الوسلاتي، أن “قانون المجلس الأعلى للقضاء، يحتاج لمراجعة دون المساس بباب السلطة القضائية المضمنة في الدستور”.

واستدرك بالقول إنه “لم يقع إصلاح القضاء بالشكل المطلوب، ما يجعله مع كل أزمة سياسية في محك هذا الامتحان إما الانتصار للجهة السياسية التي فرضت الأمر الواقع، أو أن يقع اتهامه بأنه يشتغل على المقاس وبأنه فاسد”.

واعتبر الوسلاتي، أن “إصلاح القضاء يتطلب الابتعاد عن كل ما هو سياسي، قد يؤدي به إلى التوظيف (السياسي)، وهي معضلة كبرى اليوم”.

وأضاف أنّ ” هناك خيبة أمل لدى القضاة من كل المنظومة السياسة عموما سواء قبل 25 يوليو أو بعده”.

ولفت الوسلاتي، إلى أن “أي تدخل في السلطة القضائية سيمس حتما بضمانات استقلال القضاء والقضاة، لأنه في استقلال القاضي ضمانة للمواطنين”.

وتابع أنّ “القاضي يقوم بوظيفة، وضمانات السلطة القضائية تكمن في إقامة العدالة وفي عدم التدخل في قراراته”.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.

#القضاء #التونسي #جدل #الاستقلالية #في #ظل #التدابير #الاستثنائية

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد