- الإعلانات -

- الإعلانات -

ثورة الياسمين تجدد نفسها | العرب

د.محمد عزالعرب *

على الرغم من مرور عقد على اندلاع ثورة الياسمين، لاتزال تونس تواجه نفس الأزمات التي مهدت لقيام تلك الثورة، الأمر الذي انعكس في عودة شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» في أغلب محافظات البلاد خاصة تلك المهمشة المتاخمة للحدود مع الجزائر وليبيا.

التحول الانتقالي الذي مرت به تونس بعد سقوط نظام بن علي وحتى عام 2021 يبدو هشاً. فعلى الصعيد السياسي، أثمرت التحولات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية والتشريعية  توازنات سياسية مع ميل نسبي لصالح صعود حركة النهضة والتحالف الموالي لها (قلب تونس وائتلاف الكرامة وتحيا تونس) في مجلس نواب الشعب التونسي في مواجهة القوى السياسية اليسارية والليبرالية، على نحو أدى إلى تجاذبات سياسية حادة وتجدد دعوات المعارضة بقيادة الحزب الدستوري الحر والكتلة الديمقراطية لسحب الثقة من رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، دون أن تملك القدرة على إحداث ذلك. وفي ما يتعلق بالوضع الأمني، تعرضت البلاد لعمليات إرهابية متقطعة من جانب تنظيم داعش استهدفت قوات الأمن والجيش والسياح والمدنيين، بما يعطي إشارات في اتجاهات متعددة أن البلاد ليست آمنة. وعلى الصعيد الاقتصادي، استمرت معاناة البلاد من ضعف معدلات النمو وازدياد نسب البطالة لتصل إلى 16 في المئة، وفقاً للمعهد الوطني للإحصاء الحكومي. وفي صفوف المتخرجين في الجامعات وصلت إلى 35 في المئة، وتزايدت نسب التضخم وفاقم فيروس كورونا من الأزمة الاقتصادية وما ترتب عليها من تداعيات على الأوضاع الاجتماعية للمواطنين. حلول متعثرة ونظراً لهذا التأزيم المتعدد، تعثرت المبادرة التي قدمها الاتحاد العام التونسي للشغل في بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهي مبادرة لتنظيم حوار وطني، لوضع حد للأزمة التي تواجهها البلاد إذ تنص المبادرة على تشكيل هيئة/ لجنة حكماء تضم عدداً من الشخصيات الوطنية المستقلة من كافة الاختصاصات لتتولى مهام الإشراف على حوار وطني يقود في نهاية الأمر إلى إصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية جوهرية، على أن تخضع هذه الهيئة إلى إشراف رئاسة الجمهورية، وألا يترشح أعضاؤها إلى المناصب السياسية. غير أن هذه المبادرة لم يتم الاستجابة لها في ظل فقدان الثقة بين القوى السياسية الفاعلة، وكذلك في ظل تعمق الخلافات بين الرئاسات الثلاث (رئيس الدولة – رئيس الحكومة– رئيس البرلمان). ولم ينجح التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي على حكومته في منتصف يناير (كانون الثاني) الجاري في امتصاص غضب الرأي العام بل طالب المتظاهرون بتغيير الحكومة الحالية وإقالة وزير الداخلية الجديد وليد الذهبي حيث تم استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين واعتقال مئات المشاركين في الاحتجاجات. صرخة جيل ومع تزامن عدم الاستقرار الممتد مع الذكري السنوية العاشرة للثورة التونسية، يصير هناك احتمال بأن تتحول تلك الاحتجاجات إلى ثورة ثانية في لحظة ما من خلال متغيرات وسيطة بحيث يقود تلك الثورة المحتملة المهمشون في الجهات الداخلية والأحياء الشعبية في العاصمة والمدن، تدعمها أحزاب يسارية وأصوات داخل النقابات بما يؤدي إلى إسقاط الحكومة الحالية وحل البرلمان وتنظيم استفتاء شعبي على الدستور ودعم صلاحيات الرئيس لأن أحد الإشكالات الرئيسية يتعلق بالنظام الهجين «بين بين»؛ النظام البرلماني والنظام الرئاسي. غير أن حركة النهضة تتخذ موقفاً مناوئاً لتلك الدعوات حفاظاً على مكتسباتها بعد ثورة 2011، على نحو ما تجسد في إطلاق بعض قيادات الحركة (عبد الكريم الهاروني رئيس شورى حركة النهضة) تصريحات أفادت بدعوة أبناء الحركة للنزول إلى أماكن التظاهرات لقمع المتظاهرين ومواجهتهم، الأمر الذي أثار غضب المواطنين واتهموا الحركة بدفع البلاد نحو حرب أهلية. وبعيداً عن التفسير السياسي لتجدد تلك الاحتجاجات يظل هناك تفسير يتعلق بالتحول الجيلي داخل المجتمع التونسي لفهم انفجار الاحتجاجات الحالية في تونس أو ما يطلق عليه «جيل كورونا». وتبعاً لذلك، فإن هناك ما يمكن اعتباره «صرخة جيل» نتيجة خيبة الأمل التي أصابت الشريحة العمرية التي كان أفرادها أطفلااً يبلغون عشر سنوات أثناء قيام الثورة ثم تخرجوا في الجامعة بعد عقد كامل عليها، دون توافر وظائف للعمل. إذ لم تنعكس تلك الثورة على الوضع الاجتماعي لهؤلاء الشباب، الذين لم يهتموا بالمعارك الفكرية والخلافات السياسية بين القوى الحزبية. وكذلك الحال بالنسبة للعديد من الأسر، فأجواء الحرية التي نتجت عن الثورة لا تشبع البطون الخاوية، وهو ما يفسر تجدد «دورة الاحتجاج»، خاصة في هذا التوقيت من كل عام. سيناريوهان محتملان ومن ثم، قد تستمر تلك الاحتجاجات «التلقائية» حتى تظهر شرارة كبيرة تحولها إلى ثورة عنيفة، مثلما حدث قبل ذلك نتيجة الشعور بالإهانة مثلاً من قبل أفراد أو جماعات، وعدم قدرة الحكومة الحالية على تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، وكذلك إصرار الحكومة على وصف تلك الاحتجاجات بأنها أعمال عنف وشغب تقتضي استخدام القوة تحت مسمى الحفاظ على الأمن القومي للبلاد وحمايتها ضد الفوضى. وهنا، يحذر البعض من احتمال أن تؤدي الاحتجاجات الحالية إلى استهداف مؤسسات الدولة الوطنية. في حين يرجح السيناريو الثاني قدرة الرئيس قيس سعيد بالتشاور مع الحكومة في اتباع إجراءات من شأنها التخفيف من ضغط الشارع مثل الإفراج عن بعض المتظاهرين الذين تم اعتقالهم خلال التظاهرات الليلية التي شهدتها البلاد خلال الأيام القليلة الماضية خاصة أن معظمهم من الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاماً، ويتوازى ذلك مع إطلاق وعود بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خاصة في المناطق الطرفية. غير أن ذلك يعد أقرب إلى «التهدئة الوقتية» التي سرعان ما يتم تجاوزها لتنشط متى توافرت العوامل الكامنة للاحتجاج مرة ثانية.* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

المصدر

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد