- الإعلانات -

- الإعلانات -

جوناثان رايت.. خُلاصات رحلة مع الرواية العربية

بالتعبير عن دهشته، استهَلّ المترجمُ البريطاني، جوناثان رايت، محاضرة “جائزة سيف غباش – بانيبال” السنوية، التي ألقاها مؤخَّراً عبر تطبيق “زوم” واستضافتها “المكتبة البريطانية”، تحت عنوان “التغيير والاستمرارية في الأدب العربي المُعاصِر”.

هذه الدهشة مردُّها إلى دعوته للحديث عن الأدب العربي رغم كونه غيرَ متخصّص في اللسانيات أو نظريّات الترجمة أو في اللغة العربية، على حدّ قوله. لكنّه برَّر قبوله الدعوةَ بتجربته في الترجمة الأدبية مِن العربية إلى الإنكليزية، والتي بدأها عام 2008 بترجمة كتاب المصري خالد الحسيني، “تاكسي: حواديت المشاوير”، مِن العامية المصرية، ليصل عددُ ترجماته إلى أكثر من عشرين كتاباً بين الرواية والقصّة القصيرة.

انتقل رايت إلى الترجمة بعد اشتغاله في الصحافة مع “وكالة رويترز”، على مدار قرابة ثلاثة عقود قضاها متنقّلاً بين عددٍ من البلدان العربية؛ مثل مصر والسودان ولبنان وتونس والخليج العربي، وقبل ذلك درسَ اللغتَين العربية والتركية والحضارة الإسلامية في “كلّية سانت جورج” التابعة لـ”جامعة أوكسفورد” البريطانية في الثمانينيات.

يفرض المحافظون جموداً على العربية بدعوى حمايتها

خلال المحاضرة، تحدّث رايت عن العربية الفصحى الحديثة بوصفها لغةَ تواصُل تجمع بين العرب، يجري اللجوء إليها عند صعوبة التفاهُم بينهم بلهجاتهم المحلّية، مُعتبِراً أنّ المتمعِّن في الأدب العربي سرعان ما يكتشف أنَّ الفروقات بين الشعوب العربية ضئيلةٌ جدّاً، رغم تنوُّع هذه الشعوب مِن حيث الثقافات والعادات والتقاليد.

وتطرّق المُحاضِر، في سياق حديثه عن “التغيير والاستمرارية”، إلى دَور مَن سماهم “حرّاس المعبد” مِن المحافظين، إسلاميّين أو قوميّين، على امتداد التاريخ، في فرض نوعٍ من الجمود على اللغة العربية، وحرمانها من تطوُّر حقيقي، خصوصاً على المستوى المورفولوجي. يرفض هؤلاء، مثلاً، كتابةَ الأعمال الأدبية باللهجات المحلّية، بدعوى أنّ ذلك يُهدِّد وجود اللغة العربية الفصحى. لكن رايت – الذي سبق له أن ترجمَ كُتباً مِن اللهجتَين المصرية والعراقية – لديه رأيٌ آخر مفادُه أنَّ العاميّة قادرةٌ أحياناً على التعبير عن الواقع المَعيش بأفضلَ ممّا تفعلُه الفصحى.

واستشهد رايت، في رأيه هذا، بالاسكتلندي إرفين ويلش الذي يكتب رواياته باللهجة الاسكتلندية الدارجة، والكاتب الأميركي كلود ماكاي الذي كان يؤثّث أعماله بمقاطع أو حوارات بلهجة الباتواه الجامايكية التي لا يُمكن لقرّاء الإنكليزية أن يفهموها، مُضيفاً أنّه مرَّ، هو نفسُه، بالتجربة نفسها حين قرأ روايةً عربية تضمّنت مقاطع بالعامية الشامية التي لم يستطع “فكّ شفرتها”.

في السياق نفسه، اعتبَر رايت أنَّ اللّهجات العامّية المختلفة تطوَّرت بسببٍ من تأثُّرها، في الماضي، بلُغات المستعمِرين التي أضافت كلمات وعبارات جديدة إليها، وواصلت تأثُّرها ببعضها البعض وبثقافات أُخرى من خلال التلفزيون ووسائل التواصُل، في حين ظلّت الفصحى “جامدةً” ومنطويةً على نفسها، تحت ذريعة حماية اللغة والثقافة والدين والهوية، باعتبارها لغة القرآن.

في ما يتعلّق بالأدب العربي، والرواية على وجه الخصوص، زعم المترجم البريطاني أنّ أغلب الروائيّين العرب المعاصرين متأثّرون بأسماء غربية؛ مثل فرانس كافكا وغابرييل غارسيا ماركيز، وأنّ رواياتهم لا تختلف كثيراً – في أساليبها وحبكاتها – عن الروايات الغربية.

وفي معرض حديثه عن الروايات الكلاسيكية العربية، ذكَر المتحدّث رواية “السائرون نياماً” للكاتب المصري سعد مكاوي، والتي نُشرت عام 1963، قائلاً إنّها تميّزت بأسلوبها الساخر والفريد مِن نوعه؛ حيث استعاض الكاتبُ فيها عن حركات الشخصيات وانفعالاتها بعناصر مثل الشنب والطربوش، كما تميّزت بحرّية وجرأة كبيرتَين، وتناولَت مواضيعَ لا تزال، إلى الآن، تُعتبر شائكةً ومسكوتاً عنها؛ مثل الجنس والمخدّرات، رغم أنَّ أحداثها تدور بين القرنَين الخامس عشر والسادس عشر، أي في السنوات الثلاثين الأخيرة مِن حُكم المماليك في مصر.

لا تختلف الرواية العربية عن الغربية في الأسلوب والحبكة

مُجيباً عن سؤال حول كيفية اختياره النصوص للترجمة، اعتَبر رايت أنَّ اختياراته الترجمية عشوائيةٌ وذاتية، وأنَّ الحبكة هي كلُّ ما يهمّه في الأعمال الأدبية التي يعمل على نقلها إلى الإنكليزية، وأنّه لا يُولي كبيرَ اهتمامٍ لأسلوب أو مستوى الكتابة، ممّا يجعلهما عاملَين ثانويَّين في الاختيار، وهذا ما جعله – مثلما أضاف – يرفض ترجمة الكثير من الأعمال التي اقترحتها عليه بعض دُور النشر.

هنا، يُؤكّد رايت أنّه، عند اختياره عملاً ما لترجمته، لا يتوانى عن طرح الكثير من الأسئلة على مؤلّفه، عبر البريد الإلكتروني لإتاحة الوقت الكافي للإجابة، أو عبر الاتصال المباشِر بهدف الإمساك بالمعنى، مشيراً إلى أنَّ “بعض الكتّاب يتحفّظون في إعطاء تفاصيل يعتبرونها حميمية، حفاظاً على السرّية تارةً، والغموض تارةً أُخرى”.

وعرّج رايت، أيضاً، على تقنيات الترجمة الأدبية؛ ومنها التوطين والتغريب، مُعبّراً عن موقفه الوسطي بين الاثنين؛ قائلاً إنّه لا يحبّذ الإسراف في التوطين الذي يصل إلى حدَّ تغيير أسماء الشخصيات والإطار المكاني بغيةَ ملاءمة النص مع ثقافة القارئ وبيئته، ويرفض التغريب باعتباره حاجزاً يحُول دون فهم النص المترجَم واستيعابه، بسبب استخدام لغة بعيدة عن السائد وتوظيف مصطلحات غير رائجة تضطرّ المرء إلى العودة إلى القواميس، ممّا يُفسد متعة القراءة، وفق قوله.

ربّما لم يكُن جوناثان رايت ليختم محاضرته دون أن يتطرّق إلى مسألة اتّهام المترجِمين الغربيّين بالاستشراق الحديث. وفي هذا السياق، اعترف بأنّ حركة الترجمة من العربية إلى الإنكليزية ولغات كثيرةٍ أُخرى ازدهرت عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، ضمن سياسة هدفت إلى معرفة ما يعتمل في عقل العربي المسلم الذي وجَد نفسه في مواجهة أصابع الاتهام بعد تلك الأحداث التاريخية.

بطاقة

ترجَم رايت (1953)، أحدُ أبرز مترجِمي الأدب العربي المعاصر إلى الإنكليزية، للعديد من الكتّاب العرب؛ من بينهم: خالد الخميسي، ورشا الأمير، وعلاء الأسواني، وعز الدين شكري فشير، وجلال أمين، وبهاء عبد المجيد. فازت ترجماتُه بثلاث جوائز؛ هي: “سيف غباش – بانيبال” عن “عزازيل” ليوسف زيدان في 2013، وعن “ساق البامبو” لسعود السنعوسي في 2016، و”الإندبندنت للأدب الأجنبي” في 2014 عن “المسيح العراقي” لحسن بلاسم.

#جوناثان #رايت #خلاصات #رحلة #مع #الرواية #العربية

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد