قصة صعود واختفاء أغنى امرأة في الصين.. الرهان الخاطئ!

باتت الصين مصيدة المليارديرات، فعلى الرغم من صعوبة رحلة الصعود لمعظم المليارديرات، إلا أن السقوط يأتي أسهل بكثير، فبين أحكام السجن أو الإعدام أو الاختفاء القصري تأتي معظم النهايات.

كانت ويهونغ ديوان، والمعروفة باسم ويتني ديوان، المثال الأبرز ورمز لكل حالم في الصين بالثراء، فبعد أن نشأت فقيرة، ثم قفزت على متن صاروخ لتُلقب بأغنى امرأة صينية، مع ثروة تتخطى بضعة مليارات من الدولارات. ثم، في 5 سبتمبر 2017، في سن الخمسين، اختفت ببساطة من شوارع بكين.

يروي زوجها السابق ديزموند شوم في كتابه الجديد “Red Roulette” (Scribner)، “شوهدت آخر مرة في اليوم السابق في مكتبها مترامي الأطراف في جينسيس بكين، وهو مشروع تنموي قيمته 2.5 مليار دولار، شارك الزوجين في بنائه.

تكشف قصة اختفاء ويتني عن مدى خطورة ممارسة الأعمال التجارية في الصين، حيث لا يتعلق النجاح بفطنتك بل يتعلق أكثر بصلاتك بالطبقة الأرستقراطية الحمراء. وعندما تعتقد أن لديك العلاقات الصحيحة، يتبين أنك مخطئ تماماً.

ولسنوات، بدت ويتني نجماً لن يتوقف صعوده أبداً.

فرت والدتها وهي حامل بها، قبل أن تتمكن من الزواج لاحقاً، لتعيش العائلة في شقة من غرفة واحدة في بلدة صغيرة في مقاطعة شاندونغ، في أقاصي الصين بعيداً عن أروقة السلطة في بكين.

التحقت ويتني بالجامعة في محاولتها الثانية بعد فشلها في اختبار المرة الأولى، وسجلت في معهد نانجينغ للفنون التطبيقية، والذي تخرجت فيه على رأس دفعتها، ليتم تعيينها بعد فترة وجيزة، لتكون المساعد التنفيذي لرئيس الجامعة.

كتب شوم: “العمل مع رئيس جامعة صينية منح ويتني تعليماً لا يقدر بثمن في كيفية التعامل مع المسؤولين الصينيين، وهي مهارة شحذتها إلى حد الكمال”. “لقد تعلمت كيفية تغيير موقفها ونبرة صوتها ولغتها اعتماداً على مُحاورها. حيث كانت جامعتها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجيش التحرير الشعبي، لذلك حصلت أيضاً على دورة مكثفة في التعامل مع ضباط الجيش”، وفقاً لما ذكرته صحيفة “نيويورك بوست”، واطلعت عليه “العربية.نت”.

باختصار، تعلمت ويتني أنه لكي تنجح في أي شيء في الصين، يجب أن يكون لديك علاقات جيدة مع الآخرين، أو كما يطلق عليه بالصينية “غوانشي” Guanxi.

وفي عام 1996، أسست ويتني شركة للتطوير العقاري تسمى غريت أوشن Great Ocean.

وبفضل “غوانشيها”، أو إجادتها التعامل مع المسؤولين، في الصين التي تمتلك الحكومة جميع الأراضي، لذا فإن بناء أي شيء يتطلب التنقل في طريقك عبر بيروقراطية مرهقة وفاسدة ومتعددة الطبقات. لكن ويتني، كان بإمكانها دائماً العثور على مسؤول حزبي لتخطي الشريط الأحمر.

وبعد العديد من المشاريع العقارية الناجحة في مدينة تيانجين، انتقلت ويتني إلى العاصمة بكين، في عام 2002 وبدأت في تدريب كبار المسؤولين في المدينة.

وهناك، التقت مع زوجها السابق ديزموند شوم، وهو رجل ولد في شنغهاي ونشأ في هونغ كونغ، ودرس في أميركا وله خلفية في التمويل.

رحلة الزواج

كتب شوم أنه كان المباراة المثالية لويتني البالغة من العمر 36 عاماً، والتي شعرت أن الوقت قد حان للزواج. حيث أصبح اتحادهم صفقة تجارية بقدر ما أصبح زواجاً، حيث عملت ويتني كشريك رئيسي، واكتشفت الفرص واستفادت من المسؤولين، وقام زوجها بتحويل المشاريع التي تصورتها إلى مبان فولاذية وزجاجية وخرسانية فعلية.

كما أقامت ويتني اتصالات رفيعة المستوى مع أشخاص في قمة هرم السلطة في الصين.

وقبل فترة طويلة، تواصلت ويتني مع عائلة رئيس الوزراء القادم، وين جياباو، الذي كان من المقرر أن يتولى منصبه في عام 2003.

وكتب شوم: “الوزراء ونواب الوزراء، ورؤساء الشركات المملوكة للدولة، ورجال الأعمال كانوا مدعوين إلى مائدتنا. بحثنا معاً في المشهد بحثاً عن الفرص، ودققنا في الشركاء والمرشحين المحتملين للوظائف الشاغرة في المناصب الحكومية العليا التي يمكن لـ [وين] شغلها”.

ساعد وجود ثاني أقوى رجل في الصين بصفته راعياً لها، أو “الهوتاي” كما هي بالصينية، ويتني في تأمين عدد من الصفقات العقارية المربحة. لكن مساعدة وين لم تكن مجانية: فقد طالب بحصة 30% في المشاريع التي يدعمها.

وكتب شوم: “التزمنا بالترتيبات”. “عائلات أخرى من أعضاء الحزب رفيعي المستوى انتزعت نسبة مماثلة مقابل نفوذها السياسي”.

وجاءت صفقة ويتني الأولى بمليار دولار عندما كانت قادرة على الشراء في شركة صينية ناشئة تدعى Ping An Insurance Company مع رئيس الوزراء كشريك خفي لها. وعندما طُرحت الشركة في البورصة بعد بضع سنوات باعت ويتني حصة لنفسها بقيمة 400 مليون دولار، و200 مليون دولار أخرى لعائلة وين.

فيما كانت ثاني صفقاتها الضخمة مرتبطة بمساعدة مسؤول طموح من بكين باسم سون زينغكاي، ببناء أكبر منشأة لوجستية للشحن الجوي في الصين، وهي محطة شحن مطار بكين، والتي حولتها إلى مليارديرة.

رهان خاطئ

لكن أيام نجاح ويتني كانت معدودة: فقد انضمت إلى فصيل حزبي كان يفقد جاذبيته.

وجاءت الضربة الأولى في عام 2012 عندما ذكرت الصحافة الأجنبية أن عائلة وين قد جمعت بطريقة ما ثروة تزيد عن 2.7 مليار دولار خلال مسيرته الرسمية.

وتم الكشف عن أن مصدر ثروتهم الأكبر جاء من شركة Ping An Insurance Company، التي نمت على مر السنين لتصبح أكبر شركة خدمات مالية في الصين. حتى والدة وين جياباو، والتي كانت تعمل كمعلمة متقاعدة وليس لديها أي مصدر آخر للدخل بخلاف معاش الحكومة، كانت تمتلك أسهماً بقيمة 120 مليون دولار.

وفجأة انكشف دور ويتني في مساعدة آل وينز على جمع ثروة.

فلا شيء يجعل الشعب الصيني العادي أكثر غضباً من اكتشاف أن مسؤولي الحزب وعائلاتهم أصبحوا أثرياء بشكل مذهل من نفوذهم السياسي. ومع ذلك، لم تكن عائلة وين جياباو هي الاستثناء، بل القاعدة.

في نفس العام، كشف تقرير بلومبرغ أن عائلة زعيم الحزب القادم شي جين بينغ قد جمعت بطريقة ما ثروة تقدر بنحو 1.5 مليار دولار.

ورداً على ذلك، أطلق شي حملة قاسية “لمكافحة الفساد” لإبراز صورته. أسس فرعاً للحزب الشيوعي في كل شركة يعمل فيه أكثر من 50 موظفاً وعين ممثلاً للحزب في مجلس إدارة كل شركة كبرى غير مملوكة للدولة في البلاد.

كما أوضح شي أيضاً أن المليارديرات كانوا يعيشون في الوقت الضائع، وتوقعوا في خطاب مبكر “الزوال النهائي للرأسمالية والانتصار النهائي للاشتراكية”.

ومنذ ذلك الحين، اختفى المئات من المليارديرات والمديرين التنفيذيين الصينيين. وظهر بعضهم بعد بضعة أسابيع أو أشهر في مقاطع فيديو دعائية مسجلة يعبرون آلياً عن إخلاصهم الأبدي للحزب والرئيس شي. فيما يقضي آخرون أحكاماً طويلة بالسجن.

عقاب الأثرياء

في سبتمبر الماضي، حُكم على رين زهي تشيانغ، قطب العقارات الذي انتقد طريقة تعامل شي مع الوباء، بالسجن لمدة 18 عاماً بتهم فساد. وفي الشهر الماضي، تلقى صن داو، قطب زراعي صيني، عقوبة مماثلة بتهمة “إثارة المتاعب”. وحتى جاك ما، الذي كان أغنى رجل في الصين اختفى في أواخر العام الماضي بعد أن انتقد علناً النظام المصرفي الصيني. ويقال إنه يخضع الآن لـ “إعادة تثقيف” على أيدي مسؤولي الحزب في مكان سري.

وكتب شوم، في عام 2012، أجبر شي أعضاء الطبقة الأرستقراطية الحمراء، بما في ذلك عائلة وينز، على “التبرع” بهدوء بجميع أصولهم للدولة مقابل ضمان عدم مقاضاتهم.

انفصل الزوجين بعدما اعتبر شوم المناخ السياسي في الصين معادياً لرجال الأعمال، وقرر نقل أعماله خارج الصين، فيما كان لـ ويتني رأي آخر.

كان سون زينغكاي، الذي عمل في مشروع مطار بكين مع ويتني، نجماً ساطعاً في الحزب الشيوعي الصيني. بعد أن تم اختياره لإدارة مدينة تشونغتشينغ في عام 2012، كما كان يتم إعداده لواحد من أعلى المناصب التي ستكون متاحة في عام 2022-2023، وهي إما منصب الأمين العام أو حتى رئاسة الوزراء في الصين عندما كان من المقرر أن يتنحى شي جين بينغ. حيث كانت ويتني أحد مديري حملة سون.

كانت هناك مشكلة واحدة فقط في خطتهم. حيث قرر شي، الرجل الذي كانوا يخططون لاستبداله كزعيم جديد للصين، أنه لا يريد ترك منصبه في 2022-23 – أو أبداً.

نهاية الحلم

وابتداءً من فبراير 2017، تراجعت مسيرة سون المهنية. وفي يوليو، تم فصله من تشونغتشينغ وتم وضعه قيد التحقيق لانتهاكه انضباط الحزب، مما جعله أول عضو جالس في المكتب السياسي يتعرض لمزاعم فساد منذ أن تولى شي السلطة.

ثم، في سبتمبر 2017، اختفت ويتني. ولأن مدبرة منزلها اختطفت في نفس الوقت، يُشتبه في أنها كانت في المنزل عندما جاءت الشرطة السرية.

وفي نفس الشهر الذي اختفت فيه ويتني، طُرد سون من الحزب. وبحلول مايو من العام التالي، حُكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة “الرشوة”. وأفادت وسائل الإعلام الصينية أنه حصل على أكثر من 26 مليون دولار في شكل رشاوى مباشرة أو من خلال أطراف ثالثة محددة، وأن “الأطراف المعينة” تضم سيدتي أعمال، إحداهما كانت ويتني.

وبعد أربع سنوات، لا يزال مكان ويتني مجهولاً. فيما يعيش زوجها السابق، في بريطانيا مع ابنهما البالغ من العمر الآن 13 عاماً.

#قصة #صعود #واختفاء #أغنى #امرأة #في #الصين #الرهان #الخاطئ

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد