- الإعلانات -

- الإعلانات -

موديز تشعل الخطوط الحمراء للاقتصاد التونسي

 حمل تراجع الترقيم السيادي لتونس من “ب 2” إلى “ب 3” مع الإبقاء على آفاق سلبية رسائل واضحة للحكومة التونسية بضرورة مراجعة سياساتها الاقتصادية والقيام بإصلاحات عاجلة وسط مخاوف من أن تصبح البلاد مصنفة في موقع عالي المخاطر، بمعنى عدم قدرتها على الحصول على قروض في وقت تشهد فيه موارد البلد شحا كبيرا مقابل عجز قياسي في الموازنة.

وخفضت وكالة الترقيم “موديز” الثلاثاء ترقيم إصدار العملة الأجنبية والعملة المحلية لتونس من “ب 2” إلى “ب 3” مع الإبقاء على آفاق سلبية.

ويؤشر هذا التخفيض وفق معايير الوكالة على أن المرحلة القادمة قد تتسم بزيادة تخفيض الترقيم السيادي لتونس إلى “ج.أ.أ 1-” أي أن البلد قد يصبح مصنفا في موقع عالي المخاطر بمعنى عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية.

وقامت “موديز” بالتخفيض في ترقيم سندات ديون البنك المركزي التونسي بالعملة الأجنبية المضمونة وغير المضمونة من الصنف “- ب 2-” إلى “- ب 3-” مع الإبقاء على آفاق سلبية باعتبار أن البنك المركزي هو المسؤول من الناحية القانونية على خلاص كافة الإصدارات الرقاعية للحكومة.

وأفاد الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن أن “تراجع الترقيم السيادي لتونس من مستوى ‘ب 2’ إلى ‘ب 3’ هو إنذار حقيقي من وكالة موديز حتى تقوم الحكومة التونسية بمراجعة حساباتها”.وقال حسن في تصريح لـ”العرب”، هذا “بمثابة ورقة صفراء قبل رفع الورقة الحمراء، وبعد ثلاثة أشهر قد يتدحرج التصنيف إلى مستوى ‘ج 1’ وهو ما يعني أن تونس ستصبح مصنفة في موقع عالي الخطورة”.

وأضاف “هذا الإنذار يعود إلى ضعف الحكومة السياسية، بما يعني عدم الاستقرار الحكومي والفشل في استكمال مؤسسات الدولة وانعدام الثقة بين أطراف السلطة التنفيذية”.

وتابع “هذا الانحدار هو بسبب ضعف الحكومة في إدارة المجال الاقتصادي، والوكالة تعتمد على عدة مؤشرات كالناتج الداخلي الخام ومستوى التداين الخارجي”، مستدركا “حسن التصرف في التوازنات الخارجية هو ما حمى تونس من أن تكون في المستوى الأخير من التصنيف”.

وكشفت الوكالة أن توجهها إلى ترقيم “- ب 3-” يعكس ضعف الحكومة في تونس في مواجهة تفاقم التحديات الاجتماعية، مما يحد من هامش مناورتها على مستوى قيامها بإصلاح الجباية والقطاع العام بما من شأنه أن يضمن استقرار قدرتها على التصرف في الدين العام.

وبرأي محسن حسن فإن “تونس فشلت اقتصاديا من خلال الإخلالات الظرفية في علاقة بأزمة كوفيد – 19، فارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 17 في المئة والفقر إلى 20 في المئة”.

وفضلا عن تراكمات الحكومات الأخيرة التي لم تنجح في احتواء الأزمات، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في إحداث تحولات هيكلية وسياسات اقتصادية وقطاعية جديدة وإنجاز الإصلاحات المطلوبة.

وأشار إلى أنه “عندما يتم تصنيف تونس في هذا المستوى، فهذا يعني ارتفاع المخاطر ونتيجته المباشرة هي ارتفاع كلفة الدين والاستثمارات المباشرة، والمؤسسات التونسية ستقتني حاجياتها بصعوبة من الخارج، علاوة على انعكسات على المالية العمومية ومعيشة التونسيين”.

ومن جهته قال وزير الاقتصاد السابق والخبير في الشؤون الاقتصادية حكيم بن حمودة إن هذا التقليص “غير مفاجئ”.

واعتبر بن حمودة في تصريح لوسائل إعلام محلية أن “التقليص تجاوز الحدود المتوقّعة”، مشيرا إلى أن “هذا التقرير هو نتيجة للتخوف الكبير لمؤسسة الترقيم من الوضع الاقتصادي لتونس، إضافة إلى غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.

ويرجع الترقيم وفق الوكالة سواء بالنسبة إلى التصنيف السيادي للبلاد أو تصنيف سندات ديون البنك المركزي بالعملة الأجنبية المضمونة وغير المضمونة من الصنف الأول من “ب 2” إلى “ب 3” مع آفاق سلبية إلى دعم القطاع الخارجي الذي بقي متماسكا طيلة الجائحة الصحية وحتى الآن.

رضا شكندالي: القدرة على سداد القروض ضعيفة والتكلفة عاليةرضا شكندالي: القدرة على سداد القروض ضعيفة والتكلفة عاليةومكّن ذلك من ضمان إمكانية توفير دفوعات بعنوان خدمة الدين الخارجي رغم أن مخاطر إعادة التمويل موجودة.

وقال الخبير الاقتصادي رضا شكندالي في تصريح لـ”العرب”، إن “هذا التصنيف عالي المخاطر وموديز لديها شكوك في قدرة الحكومة التونسية على معالجة الأوضاع”.

وأضاف “قدرة تونس على سداد القروض ضعيفة والتكلفة ستكون عالية جدا، وما جعلنا نصل إلى هذه الوضعية هو أننا لم نجلس مع أطراف صندوق النقد الدولي حتى تعطينا رسالة طمأنة لخلاص الديون”.

ولم يخف شكندالي مساهمة تداعيات الوضع السياسي في تأزم الوضع الاقتصادي، وقال “الحكومة التونسية فيها احتقان كبير والإصلاح يتطلب توافقا والثقة منعدمة، ولا بد من توفير مناخ أعمال مناسب”.

واستطرد “منذ 2011 طبقنا سياسات اقتصادية خنقت الاقتصاد، والزيادات المتكررة على الاستثمار وتراجع قيمة الدينار التونسي وضغط الجباية الذي وصل إلى نسبة 25 في المئة، اليوم وصلنا إلى حالة من الانسداد ولا بدّ من عودة الاستثمار الخاص”.

 وفي ما يتعلق بالآفاق السلبية فإن المسألة تعود إلى المخاطر المحتملة في علاقة بزيادة التخفيض في الترقيم بحكم احتمال تأخر المفاوضات من جديد على مستوى برنامج تمويل صندوق النقد الدولي للميزانية العامة، وهو هدف أساسي وضعته الحكومة لتعبئة موارد مالية كافية للسنة الحالية.

وأبرزت “موديز” أن من شأن التأخر في وضع برنامج تمويل الصندوق للاقتصاد التونسي زيادة الضبابية على مستوى قدرة الحكومة على النفاذ إلى مصادر التمويل الخارجية والإبقاء على موقع لها في صورة الخروج إلى الأسواق المالية الدولية بشروط ميسرة للتمكن من الحصول على موارد مالية ملائمة لحاجات الدولة من السيولة.

ويعكس الفارق “ب 3” درجات في الترقيم السيادي توقّع تعثر إصلاح القطاع العام والعوائق المتصلة بتنافسية القطاع الخارجي فضلا عن دقة الأوضاع سياسيا واجتماعيا مما يؤثر على مناخ الأعمال.

وتم التأكيد في البيان على أن الترقيم تراجع في ما يتعلق بالعملة الأجنبية بدرجتين مقارنة بالعملة المحلية وذلك بسبب تواصل اختلال توازنات القطاع الخارجي لاسيما في ما يهم التدفقات النقدية مما قد يتسبب في تعرض المؤسسات لمخاطر الصرف والتحويل.

ولا يعد التصنيف الجديد لتونس مفاجئا حيث أظهرت الأرقام والإحصائيات تراجعا واضحا للاقتصاد التونسي.

ورجّح تقرير للبنك الدولي نشر بتاريخ 22 ديسمبر 2020 تراجع النمو في تونس وارتفاع الدين العام من 72.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي سنة 2019 إلى الذروة بنسبة 86.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي سنة 2020، وهو “مستوى أعلى بكثير من المعيار القياسي لعبء الديون البالغ 70 في المئة من إجمالي الناتج المحلي” وفق البنك الدولي.

وأشارت بيانات نشرها البنك الدولي إلى تسجيل تونس انكماشا إجماليا للناتج المحلي بنسبة 21 في المئة في الربع الثاني من سنة 2020 مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2019.

وأعلن معهد الإحصاء الحكومي في تونس الأسبوع الماضي تسجيل الاقتصاد انكماشا قياسيا في الناتج المحلي المجمل لعام 2020 بلغت نسبته 8.8 في المئة، مع تفاقم واضح في نسب البطالة المدفوعة بأزمة وباء كورونا.

وأفاد المعهد بتقلّص نسب النمو في كل القطاعات النشيطة، ما عدا القطاع الزراعي الذي نما بنسبة 4.4 في المئة.

وارتفعت نسبة البطالة إلى حدود 17.4 في المئة خلال الثلاثي الرابع من سنة 2020، بعد فقدان 78.3 ألف وظيفة.

وتتجه تونس إلى السوق المحلية للاقتراض، حيث كشف علي الكعلي وزير المالية والتنمية ودعم الاستثمار التونسي عن تعبئة موارد مالية لتمويل ميزانية الدولة من خلال توقيع اتفاقية مع 14 مؤسسة بنكية محلية للحصول على قرض مالي بالعملة الأجنبية بقيمة إجمالية في حدود 465 مليون دولار موزّعة بين 150 مليون دولار و260 مليون يورو.

وتحتاج تونس إلى تعبئة موارد مالية بقيمة 19.6 مليار دينار (7.26 مليار دولار) من القروض الداخلية والخارجية لتمويل ميزانية 2021 بينها 2.2 مليار دولار من السوق المالية المحلية.

ولم تخف المنظمات الوطنية الوازنة بالبلاد على غرار اتحاد الشغل التونسي (المركزية النقابية) واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة أرباب العمل) مساهمة الأزمة السياسية والدستورية الراهنة في انحدار الترقيم والتصنيف السيادي لتونس.

وأعربت المنظمتان في بيان مشترك عن انشغالهما لهذا الانحدار “وما قد يترتب عنه من تداعيات وخيمة، من بينها عدم قدرة تونس على الإيفاء بالتزاماتها المالية” مبينتين أن “هذا التخفيض ستكون كلفته عالية جدا على الاقتصاد الوطني”.

وتشهد تونس أزمة سياسية خانقة تتعلق بنزاع الصلاحيات بين رئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي في ظل استماتة الأخير للالتفاف على صلاحيات رئيس الدولة للتحكم في دواليب الحكم ما أغرق البلد في التجاذبات السياسية وهمش التحديات الاقتصادية.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد